كشفت برقيات الخارجية السعودية نقلاً عن لسان رئيس حزب الكتائب السابق أمين الجميّل، أنه إذا تلقى الإذن من ملك السعودية فسوف ينسق مع الحريري من أجل زيارة دمشق، ولن يتخذ أي خطوة في هذا الشأن مع دمشق دون التشاور مع المملكة وأخذ توجيهات الملك شخصياً، وما تطرحه المملكة سيكون المعيار في العلاقة مع سورية.
وكرر التزام بيت الجميل بتوجيهات المملكة، وأكد أنه لن يعمل أي شئ إلا بتوجيه من الملك عبدالله، هذه الكلمات ليست للذم بقائلها، ولا هي لاتهامه بالتبعية لنظام آل سعود، بل إنها واردة في واحدة من برقيات "ويكيليكس ــ السعودية"، ينقلها السفير السعودي في بيروت، علي عواض العسيري، بلا أي وسيط عن لسان الرئيس اللبناني الاسبق أمين الجميل.
كتب العسيري هذه العبارات، وغيرها في تقرير قدّمه إلى وزير الخارجية سعود الفيصل، فأحالها الأخير على ديوان الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولم يردّ الأخير طالب الإذن، فمنحه إياه في توجيه سامٍ لاقى استحسان الجميل، فعبّر عن شكره له.
وفي برقية وجهها سعود الفيصل إلى رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء عام 2010، يرد ملخص محضر اللقاء بين السفير السعودي والجميل:
كان الزمن زمن المصالحة السعودية ــ السورية، وما نتج منها لبنانياً على صورة علاقة توثقت سريعاً بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري.
لقاء السفير السعودي بالجميل أتى لتقديم التعازي للرئيس الأسبق بوفاة شقيقته، لكن الجميّل استغل الأمر لتقديم فروض الطاعة لآل سعود، انتقد الأمانة العامة لـ14 آذار، مؤكداً في الوقت عينه ، أنه ما يزال في صف رئيس الوزراء السيد سعد الحريري وعلاقته به جيده ولن يتخلى عنه في كل الظروف ولا عن هذا الفريق.
ثم انتقل إلى طلب الإذن من الملك السعودي للانفتاح على دمشق: أشار إلى أنه يودّ أن يعرض على المقام الكريم عن وجود مساع سورية للتصالح معه، وتلقى عدة رسائل جادة حملها إليه كل من سليمان فرنجية والنائب طلال أرسلان، تضمنت رغبة القيادة السورية في فتح صفحة جديدة مع بيت آل الجميل.
وذكر أنه لن يتخذ أي خطوة في هذا الشأن مع دمشق دون التشاور مع المملكة وأخذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين شخصياً، ولن يذهب إلى سورية دون غطاء سعودي، وما تطرحه المملكة سيكون المعيار في العلاقة مع سورية.
وقال: إنه تحدث مع الرئيس سعد الحريري حول تلك الدعوات، وإنه إذا تلقى الإذن من خادم الحرمين الشريفين فسوف يقوم بالتنسيق مع الحريري حول الزيارة.
وبعد الحديث عن شؤون سياسية أخرى، زيّن الجميل انفتاحه على دمشق للسعوديين، فقال إنه : قد يفتح الباب أمام المزيد من المصالحات بين القوى المسيحية.
السفير السعودي اقترح أن يرحب رؤساؤه بفتح صفحة جديدة بين سورية والرئيس أمين الجميل تسودها الثقة وحسن النيات، على أن يسبق الترحيب بها استطلاع رأي السيد سعد الحريري لكي يكون على علم بما يجري ويليه تنسيق بينه وبين الرئيس أمين الجميل حول شكل الزيارة وتوقيتها وأنسب السبل لاستثمارها لخدمة أهداف مرحلة ما بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين لدمشق.
حكام الرياض لم يتجاهلوا الأمر، بعد مدة قصيرة صدر قرار من الملك "بالموافقة على فتح صفحة جديدة بين سورية والجميّل والتنسيق بينه وبين دولة الرئيس سعد الحريري حول شكل الزيارة وتوقيتها"، بحسب ما يرد في واحدة من برقيات الخارجية.
وهذا القرار صدر بصيغة "توجيه سام"، وهي واحدة من صيغ القرارات الملكية التي تصدر لترسم السياسيات للموظفين والأتباع.
وفي برقية أخرى، يأتي وزير الخارجية بصراحة على ذكر التوجيه السامي الصادر يوم(12/4/2010 ميلادي)، لينقل عن السفير السعودي في لبنان أن"فخامة الرئيس الأسبق أمين الجميّل قد أعرب عن شكره وتقديره لمقام خادم الحرمين الشريفين على هذا التوجيه.
وأشار إلى أنه لم يعط السوريين أي التزام بتحقيق الزيارة، وليس في عجلة من أمره للذهاب إلى دمشق إلا إذا طلبت منه المملكة أن يتعجل في الذهاب.
وأكد أنه لن يتخذ أي خطوة مع السوريين إلا بالتفاهم مع الرئيس سعد الحريري وفريق 14 آذار، ولن ينفرد بأي خطوة ما لم ينسق مع المملكة، على أن يتم أي تقارب أو مصالحة مع سورية من خلال الحكومة اللبنانية.
ورأى أنه لتحقيق هذا التقارب هناك مطالب ملحة، مثل ملف المفقودين وترسيم الحدود والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات التابع للمخابرات السورية.
وأضاف ، أن أي خطوة يتوجب عليه أخذها ستأتي منسجمة مع خطابهم السياسي ومصالح الحزب، ولكن إذا وجهت المملكة بالمسارعة في المصالحة فالأمر متروك لها، وهو يرحب بأي مبادرة تقررها المملكة.
كما كرر خلال المقابلة مرات عدة التزام بيت الجميل بتوجيهات المملكة، وأكد أنه لن يعمل أي شيء إلا بتوجيه من الملك عبدالله، معرباً عن أمله أن يستمر التنسيق مع مقامه الكريم وأن تستمر الرعاية الكريمة والدعم لبيت الجميل ولحزب الكتائب الذي هو حزب اعتدال ، كما أبدى فخامته قلقه من الوضع الداخلي وانعكاسات الوضع الإقليمي ومن الضغوط التي يمارسها حزب الله على الرئيس سعد الحريري وعلى المؤسسات اللبنانية.
وركز في حديثه على البعد الطائفي والسعي الذي يبذله حزب الله من أجل تغيير المعادلة لكي يصبح صاحب القرار.
وأضاف انهم للأسف يمارسون هذا القرار على الأرض، ولكنهم يستميتون في سبيل تقنين ذلك في الدستور، وقال: إننا نسعى لمواجهة هذا التحرك ، وهذا أحد الأسباب التي تمنعني من الذهاب حالياً لسوريةأو التعامل معها، لأنني ألمس التناغم والترابط العضوي بين سوريةوحزب الله، وهذا أمر يجب علينا ان نأخذه في أي خطوة تقارب مع سورية.
وفي نهاية حديثه، عاد للحديث عن بيت الجميل الذي يرى في السعودية الأخ الأكبر، وتمنى أن تكون علاقتهم مباشرة بمعزل عن الوسطاء المحليين، لأن ذلك يعطينا حرية أكبر في الإفصاح عمّا في نفوسنا وفي أذهاننا.
مركز الإعلام الالكتروني