عمليات المقاومة المركبة في قلب الكيان تحيي من جديد صفقات تبادل «الأحياء بالأحياء»..
ظن الكيان الإسرائيلي أنه يعيش عصره الذهبي في قمة هرم القوة والنمو والاستقرار، ثم جاء يوم لن يُنسى تاريخه تدحرجت فيه أحلام الكيان الوردية إلى هوة الصدمات والمفاجآت، وتتابعت تلك المفاجآت حتى في أيام الهدنة، إذ اضطرت سلطات الكيان مُكرهة إلى القبول بها، ويبدو أنها لاحقاً ستقبل بما هو أكثر من مجرد تمديدها والقبول بشروط استكبرتها ورفضت حتى مجرد التفكير أو الحديث فيها.
صحيح أنّ هول المجازر والخراب والدمار الذي أحدثه الكيان المحتل في قطاع غزة ليس بقليل، ولكن لسان حال أهل غزة يقول لم نخسر كثيراً فلقد كنا نذبح بصمت بعيداً عن مسمع العالم ومرآه، لذا كان الخيار أن نقاوم ونناضل، وإن كان لا بد من أن نموت فليكن موتنا بشرف، وليكن موتنا مترافقاً مع موت أعدائنا، فللحرية ثمن يجب أن يدفعه أبناء الوطن.
ما فعله الأبطال الفلسطينيون من تبنّي خيار المقاومة هو القرار الذي يثبت صوابيته يوماً بعد يوم، هذا العمل البطولي أعاد «إسرائيل» وأسقطها من أعلى هرم ومنحنى صعودها وهوى بها إلى نقطة البداية من جديد، لقد هوى بكل ما كانت تدعّي أنّها أنجزته في صعيد بناء دولتها المزعومة، فلقد اعتقدت بعد إغلاق صفقة شاليط أنّها أغلقت باب صفقات تبادل «الأحياء مع الأحياء»، وخاصة أنّها كانت تُظهر حرصاً لا محدوداً واستعداداً كبيراً لدفع أثمان باهظة في سبيل الحصول فقط على رفات جنودها حتى لو كان الثمن إطلاق أعداد كبيرة من الأسرى، ولكن يبدو أن الأمر مختلف جذرياً ففي هذه الجولة لدى المقاومة الفلسطينية عشرات من «شاليط» ورفاقه من الأحياء والأشلاء، ويبدو أنّ مسلسل المفاوضات سيكون طويلاً.
لعل أهم ملامح الفشل الإسرائيلي تتجلى في مسألة فشل هذا الكيان في تحرير أسراها رغم كل ما استخدمته من قوة مفرطة، يُضاف إلى ذلك فشلها في منع عمليات المقاومة التي أثبتت قدرتها على القيام بعمليات مركّبة في عمق الكيان الصهيوني المتحصن بتجهيزاته وعتاده المتطور، إضافة إلى مقدرة المقاومة على شن هجمات بالمسيرات التي أرهبت بها «إسرائيل» واخترقت قبتها العنكبوتية، والقوة السيبرانية والمقدرة على تحقيق اختراق أعقد أنظمة العدو التقنية وأكثرها تحصيناً، كما أنّ الفشل الإعلامي في تعتيم وتحريف وتغيير ما يجري في فلسطين ومحاولة «إسرائيل» شيطنة و«دعشنة» المقاومة وإظهار نفسها بمظهر الضحية، كل تلك الأمور أظهرت فشل الادعاءات الإسرائيلية وأثبتت سهولة اختراقها إعلامياً وسياسياً وميدانياً.
ولعل أكثر المتشائمين وأشد المحبين الداعمين لهذا الكيان لم يكن ليتصور أن يسمع ويرى بأم عينيه ما رواه أحد أبناء جلدته، فما كشفه «ديفيد باروخ» مدير «المقبرة العسكرية في جبل هرتزل» بأنّ عدد قتلى الجيش الإسرائيلي في المعارك التي تدور في قطاع غزة كبير، وأكد في مقطع فيديو نشرته ما تسمى وزارة الأمن الإسرائيلية أنّ المقبرة تستقبل عدداً كبيراً من القتلى بمعدل جنازة كل ساعة أو كل ساعة ونصف الساعة، وأضاف: يفترض مني أنّ أفتح عدداً هائلاً من القبور، فقط في مقبرة جبل هرتزل دفنا 50 جندياً خلال 48 ساعة، يبدو أنّ هذه الهدنة بكل ما تحمله من تفاصيل وانفراجات ستستمر لتطيح بنتنياهو وحكومته وستقوده إلى محاكمات غير مسبوقة في «إسرائيل»، كذلك الحال ستفتح الباب وتهيئ الأجواء الدولية أمام حراك دولي لمحاسبة هيئة وأعضاء الحكومات الإسرائيلية وأمراء حربها أمام المحاكم الدولية للنظر فيما ارتكبوه من قتل وتهجير وتدمير بحق الشعب الفلسطيني أقل ما يمكن أن يقال عنها إنّها إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية.
المصدر: صحيفة تشرين
د. منذر علي أحمد