كتب الدكتور خيام الزعبي في صحيفة رأي اليوم تحت عنوان "ولادة سياسية جديدة لسورية… هل تلتقط السعودية الفرصة؟":
اليوم سورية تتعافى، ما في ذلك شكّ، فهناك خبران سيكون لهما وقع شديد على المنطقة بأشملها،هما: الأول هو زيارة وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان إلى دمشق، وفتح القسم القنصلي للسفارة السعودية في دمشق، والخبر الثاني هو دعوة سورية إلى القمة العربية لأول مرة منذ العام 2011 بعد تجميد عضوية سورية في الجامعة على خلفية الحرب داخل سورية.
لا يخفى على القارئ، المعاناة التي عاشتها سورية وشعبها جراء الأزمة التي اشتعلت عام 2011، والتي أدت إلى دمار البنى التحتية، علاوة على “تفريخ” تنظيمات إرهابية بأعداد وأسماء مختلفة، ولهذه الأزمة تبعات سياسية تحملتها دمشق، منها قيام عدد من الدول العربية بقطع علاقاتها بسورية، لكن اليوم هناك مؤشرات للتحول، فجميع الدول تعيد حساباتها، بما في ذلك السعودية على ضوء التحولات على الأرض بعد أن بسط الجيش العربي السوري سيطرته على معظم الأراضي بعد أن كان الوضع في البداية معاكساً.
اليوم تشير الإشارات المستمرة والصادرة من دمشق وغيرها من العواصم العربية إلى أن خصوم دمشق السابقين اقتربوا من التوصل إلى ترتيبات ذات منفعة متبادلة مع الحكومة السورية التي تعهد بعضهم في يوم من الأيام بإسقاطها، وهم ينتظرون أن تلوح قريباً في الأفق عقود إعادة الإعمار والبناء التي تخدم الاستقرار والتنمية في سورية والمنطقة.
التطور الأحدث في هذا الشأن، هو زيارة الرئيس الأسد للإمارات التي وضعت قواعد الانفتاح العربي على سورية، بعد أن عملت الامارات بكل جهد لإعادة سورية للمكانة الطبيعية وللحاضنة العربية من جديد، حيث أكد الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ضرورة عودة دمشق “إلى محيطها العربي”، ومن هنا يمكن وضع هذه الزيارة في سياق التعاون والتنسيق والتشاور المستمر بين البلدين إزاء ما يحدث في المنطقة، وهي زيارات تعطي الانطباع بوجود دور إماراتي جديد في الأزمة السورية.
لقد تحولت سورية اليوم إلى عاصمة العالم تطرق أبوابها قوى الشرق والغرب، وأن التحركات الأخيرة لبعض الدول العربية باتجاه إعادة سورية إلى موقعها الطبيعي، لاسيما الإمارات وعمان والجزائر ومصر والأردن والبحرين، توحي بازدياد فرص النجاح في إيجاد حلول للحروب والأزمات في كل من سورية والعراق ولبنان واليمن.
كما نرى عدداً من الدول العربية يدقون أبواب دمشق لتشكيل لجان مختلفة لكسر الحصار على سورية وإسقاط “قانون قيصر” الذي يهدف إلى تجويع الشعب السوري وتحضير قوافل تحتوي على مواد غذائية وطبية لإرسالها إلى دمشق جواً أو بحراً، تعبيراً عن تضامن أبناء الأمّة مع شعب سورية الذي لم يقصر يوماً في التضامن مع كل قضية عربية أو إنسانية عادلة. وفي الوقت نفسه إعادة ضبط البوصلة العربية بعد أن تعرضت للاختراقات وكانت البداية من تدمير سورية.
كما أن السعودية تدرك جيداً أن موافقتها على القطيعة مع سورية كانت متسرعة وغير مجدية، وهي تحاول الآن بشكل أو بآخر أن تستعيد مواقفها وإعادة النظر بالسياسة التي أدت إلى القطيعة معها، كون السعودية تشترك مع سورية في مواجهة التهديد الإرهابي باعتبارهما “في جبهة واحدة”٬ ومع هذا الانفراج المرتقب، ستشهد المنطقة انفراجات متعدّدة في بعض الملفات الإقليمية والدولية. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف يؤثر التقارب بين سورية والسعودية على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط؟ والجواب هو أن عودة العلاقات إلى مجاريها الطبيعية بين الدولتين الرئيسيتين في منطقة الشرق الأوسط وهما سورية والسعودية بكل تأكيد يخدم مصالح الدولتين، وينعكس إيجابياً بالدرجة الأولى على التقليل من التوتر ويحوله إلى شيء من التنسيق والأداء المتناغم الذي يصب لصالح السلام والاستقرار في المنطقة، كون كلا البلدين لهما وزنهما وأهميتهما في المنطقة العربية.
مجملاً…تتلخص سياسة سورية الخارجية في الانفتاح على بعدها العربي ونسيان الماضي وفتح صفحة جديدة، وبالتالي عودة الاستقرار لسورية سيكون عاملاً مهماً ورئيسياً لعودة الاستقرار للمنطقة العربية بأكملها، كما كان للاضطرابات في سورية من تبعات على المنطقة، وما على البلدان العربية التي تعيش في حالة من التردد في التعاطي مع دمشق إلا أن تعترف بقوتها سياسياً وإقليمياً، وكما لجأت بعض الدول إلى لغة الحوار مع دمشق فمن المناسب أن يلجأ محور أعداء دمشق إلى المنهج نفسه وليس المواجهة أو الصراع معها من أجل تحقيق أمن المنطقة. ولهذا ستكون سورية بخير، وبقي أن نترقب إعلان الانتصار الكامل للشعب السوري في مراحل لم تعد ببعيدة، وبعد هذه السنوات تستحقّ دمشق تحية احترام وهي تخوض المعركة عن كلّ الأمة العربية والتي ستنعكس آثارها بطبيعة الحال على منطقة الشرق الأوسط وربما على الحالة الدولية.
باختصار شديد: بعد كل ما سبق، ألا يحقّ لنا أن نتساءل:
من يستطيع أن يهزم سورية ولديها إصرار على المضي في طريق اختارته نحو استعادة المكانة التاريخية الجديرة واللائقة بسورية؟ ومن يستطيع أن يهزم سورية ولديها جيش قوي ضحى بحياته من أجل حماية سورية واستقرار وأمن المنطقة بأكملها؟
فسورية عادت لمكانتها ووضعها الطبيعي… ولكن هذه المرة عادت لتقود العالم لمواجهة الإرهاب والمحافظة على الأوطان… لأنها الرقم الصعب والعصي على أن ينال منه الآخرون.