الاعلام تايم
قد يعتقد البعض أن الحملة الخليجية المصرية المنسقة لخنق دويلة قطر جاءت فعلاً بسبب ما أعلنته السعودية من دعم قطر للإرهاب والإخوان المسلمين، وكذلك ارتمائها في الحضن الإيراني كما يحلو لمنظري السعودية أن يصفوا العلاقة القطرية الإيرانية، لكن من يراجع تاريخ الخلافات السعودية القطرية يجد أنها كانت دائماً لأسباب تتعلق بخلافات شخصية بين العائلة المالكة في البلدين ومؤامرات على الحكم من أحد الطرفين ضد الطرف الآخر.
فدعم الإرهاب هو رعاية مشتركة سعودية قطرية وباتفاق الطرفين، فما الجديد في الأمر حتى تستفيق السعودية وتتهم قطر باحتضان وتمويل الإرهاب، دون أن ترد قطر بالمثل، علماً أن لديها الكثير مما تقوله عن السعودية في هذا المجال؟.. لاشك أن السعودية أرادت حشد مصر إلى صفها نظراً لثقل مصر عربياً مستغلة الخلافات الحادة المعروفة بين مصر وقطر بسبب دعم الأخيرة للإخوان المسلمين في مصر ومعاداتها للحكم القائم.
قيل الكثير عن خطة أمريكية يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتنفذها الممالك الخليجية ضد قطر من أجل "حلب البقرة" القطرية كما فعل مع السعودية. ولكن الأمر يبدو غير منطقي، فالإدارة الأمريكية "تحلب البقرة" القطرية منذ زمن، وهي قادرة على رفع "دوز" الحليب بمجرد التلويح بفكرة نقل القاعدة العسكرية الأمريكية من قطر، فلماذا هذا التحرك الخليجي الانفعالي ضد قطر اليوم؟ وماذا عن الزعامة الخليجية؟
فزيارة ترامب للرياض منحت السعودية دور الزعيم ليس على الدول الخليجية فحسب بل على الدول العربية والإسلامية أيضاً، فهل كان للقيادة القطرية رأي آخر؟ وهل اعترضت قطر أو تمتلك قطر حق الاعتراض على هذا الأمر؟ ربما لم ولن تجاهر القيادة القطرية بمثل هذا الرفض أو الاعتراض، ولكنها بلا شك تعمل خفية وبشكل حثيث على الاستمرار في تولي الدور "المنفوخ" الذي تحصلت عليه مع بداية الحرب على سورية وتوليها زمام حياكة التخطيط والتمويل والتنفيذ ضد سورية، يوم كانت السعودية مشغولة بمرض الملك عبد الله وترتيب انتقال السلطة، فأما اليوم يبدو أن السعودية تريد كل شيء في الخليج من تحت إمرتها وإمرة ولي ولي العهد الشاب المتهور محمد بن سلمان، ولن تقبل بحاكم في الدوحة يعرقل هذا التوجه.
فكيف إذا اكتشفت الرياض أن الحاكم القطري يعمل لشق صف الأسرة المالكة في السعودية؟ وماذا ستتصرف لو اكتشفت أن تميم بن حمد يعمل على دعم تيار معارض لمحمد بن سلمان داخل المملكة؟ عندها ستكون المصيبة الكبرى وعندها فقط "ترغي وتزبد الجمال" لتنتقم، وهنا تكمن المشكلة الرئيسية برأيي، وكل ما أُعلن من أسباب، هي للتغطية على السبب الحقيقي للأزمة. وبتحليلي الشخصي أعتقد أن السعودية "اشترت" التفويض الأمريكي خلال قمة الرياض للإطاحة بأمير قطر تميم واستبداله بحاكم للإمارة يقدم فروض الطاعة لمحمد بن سلمان.
لكن مادور قناة الجزيرة القطرية واحتضان حماس والقرضاوي وعزمي بشارة في الأزمة؟ هل هي من الأسباب الحقيقة للأزمة كما يروج مدّاحو السعودية ومحللوها؟ أعتقد أن كل ما قيل عن هؤلاء كأسباب هي بعيدة عن الواقع. فجميع هؤلاء أدوات في "الطموح" القطري وفي بحث الدوحة عن دور "القوة الإقليمية الكبرى" التي يصعب على السعودية ودول الخليج "هضمها" أو القبول بها، لذلك تريد الرياض تفكيك أدوات "الطموح" القطري ونزع "أنياب" الدوحة الإعلامية والدينية.
فهل حان وقت استئصال "الورم القطري" الذي بدأ ينتشر في الجسد الخليجي؟ وهل تستطيع قطر المواجهة، أم هي ستلجأ إلى احتواء الأزمة بالتسليم؟ مؤشرات اليوم تدل أن الدوحة تبحث سبل الاحتواء عبر تعزيز تحالفاتها وتقوية علاقاتها المتينة مع تركيا التي أقر برلمانها قبل أيام قانون يسمح بنشر قوات تركية في قطر. هل ستدفع الأزمة الدوحة للارتماء أكثر في الحضن الإيراني كما يصفها منتقدوها الخليجيين؟ وهل الحضن الإيراني جاهز لاستقبال الحاكم القطري بدون شروط وهي التي انتقدت كثيراً الدور القطري المدمر في سورية ؟
نعتقد أن الأيام القادمة كفيلة بالرد على هذه التساؤلات وكشف المستور من الأسباب الخفية التي أدت لنشوب هذه الأزمة وبهذه الحدة، وكيف ستؤول الأمور في منطقة تعودنا فيها أن نشهد تلقب التحالفات حد التناقض.