الإعلام تايم - الديار
الآن، لا أحد يقرع الطبول ثانية في فرنسا. مأزق التاريخ ام مأزق الخيال؟ حين انتخب فرنسوا هولاند كتبت "لوكنار انشينه" عن "الخيال الذي أصيب بترقق في العظام". لم تتوقف هنا بل تحدثت عن الخيال الذي بالكاد يصل الى ساقي بريجيت باردو.
كل من يدخل الى الاليزيه يظن أن فيه شيئاً من لويس الرابع عشر. هكذا ظهر نيكولا ساركوزي في "الاكسبرس" على حصان الملك الذي قال "من بعدي الطوفان". وحين انتخب ايمانويل ماكرون قيل أن الخيال قفز الى خاصرة لويس الرابع عشر. لن يبلغ البتة كتفيه...
عند العرب ثمة محاكاة بين خيال السياسي وخيال الدجاجة. مظفر النواب كان يصرخ "لأننا وضعنا التيجان على رؤوس الديكة". محمد الماغوط كتب "دخلنا الى القرن الحادي والعشرين مثلما تدخل الذبابة الى غرفة الملك".
اذاً، أيها الرفاق الأعزاء، دعونا ننحني (اجلالاً) أمام... الذبابة!
تعلمنا الكثير من الفرنسيين حول الفانتازيا السياسية والفانتازيا اللغوية. قيل في باريس أنهم يبحثون عن رجل يتزوج من امرأة تكبره بألف عام، أي أن يتزوج فرنسا. اذاً، هذا هو الرجل المناسب. الا تكبره زوجته بريجيت بربع قرن؟
كأنها الجمهورية السادسة. الفرنسيون تعبوا من الساسة الذين حملوا "اللوموند" على الدعوة الى "التخلص من ثقافة التفاهة".
كان اعتراضها على السياسيين الذين تحولوا الى مومياءات يعلوها الغبار. مومياءات على شاكلة الببغاءات، وراحت فرنسا تدور حول نفسها، في حين أن قامة امرأة مثل انغيلا ميركل تكاد تضاهي قامة كونراد اديناور أو ويلي برانت...
هذا ليس زمن بيسمارك ولا زمن نابليون بونابرت. الفرنسيون ثاروا على الببغاءات. كيف عثروا على ايمانويل ماكرون؟
يحكى عن دور غامض لآل روتشيلد. لا تنسوا أن برنارد هنري - ليفي وقف الى جانبه.
تذكرون أن جورج دبليو بوش وصف القارة العجوز بالعجوز حقاً، وأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة. دونالد ترامب لا يجد في أوروبا أكثر من قطعة أثرية، لكنه اكتشف أن السيارات الألمانية تجتاح لاس فيغاس وتختال في مانهاتن. إنه يحمل المطرقة الآن ويهدد بتحطيم رأس السيدة المستشارة...
الدورة الاولى من انتخابات الجمعية الوطنية أظهرت ايمانويل ماكرون وكأنه ظاهرة. اكتسح غالبية المقاعد. وكان على المعلقين أن يتساءلوا ما اذا كانت فرنسا تتجه الى حكم الحزب الواحد على غرار العديد من بلدان العالم الثالث.
بل إنه اكتساح للمشهد السياسي. ماكرون يعلم أن فرنسا مريضة. الاقتصاد شاحب ومتعب. البطالة تنتشر، والايديولوجيات المجنونة تترعرع في الضواحي التي لم تكن يوماً ضواحي الصفيح....
ولكن كما لاحظتم، الرئيس الأميركي حمل معه مكنسة عملاقة حين زار المملكة العربية السعودية. كل مال الخليج لأميركا. المشكلة أن الرجل الذي مازال يذكّر حيناً بمعركة النورماندي وحيناً بمشروع مارشال، يضغط لكي لا يحصل الأوروبيون حتى على الفتات.
من أين يأتي ايمانويل ماكرون بالمال. لا معمر القذافي هناك كي ينصب خيمته في فناء الاليزيه، كما أن محمد بن سلمان "يشتغل" على أن الكعبة الكبرى هي البيت الأبيض.
في عهد دونالد ترامب لم يعد يجدي أن يكون الرئيس الفرنسي أميركياً. يفترض أن يكون فرنسياً كثيراً ويفتح أبواباً مغلقة.