الإعلام تايم - الوطن العمانية
لا تكفي الحوارات والمواقف حول القضية الفلسطينية، التي هي القضية المركزية في الصراع العربي الإسرائيلي، بل هي أزمة الإنسان في الكون وليس العالم فقط، بل هنالك ضرورة تشكل ضررا أن لم تنفذ وهي إدراجها في الكتب المدرسية كي يطلع عليها الطلاب في كل مكان، وأن تكون مادة تدريس رئيسية، إذ أن شطبها يعني نسيانها وعدم الانتباه لها جيلاً بعد جيل.
صحيح أن القضية الفلسطينية تحتاج لنقاش مطول كونها ملف مليء بالمتناقضات، الا أن فلسطين تظل هوية الإنسان في بحثه عن وطن موجود له تم طرده منه ويعمل على العودة اليه.
أجيال سابقة تربت على هذا المفهوم، أنا مثلًا تربى وعيي على فلسطين منذ أن كان عمري سنوات قليلة حين سمعت فتيات في رحلة مدرسية وهن ينشدن غناء كلمات ملحنة عن شاب حمل سلاحه وذهب لاسترجاع أرضه. كان إنصاتي شديداً بحيث سألت بعدها عن المقصود في هذه الكلمات فقيل أنها فلسطين .. ومع ذلك لم أعرف أين تقع تلك الدولة، لكنها علقت في الذاكرة كمكان له معنى درامي تمكنت من تفسيره في مرحلة الوعي.
اليوم يدور نقاش في لبنان حول إعادة ادراج القضية في كتاب التاريخ .. وأذكر أنني منذ عشرات السنين قمت بتعليم مادة التاريخ وكانت قضية فلسطين تأخذ حيزاً بين المواد التي تتحدث عن لبنان . أما العرب فقد أدرجها معظمهم في كتبه المدرسية .. كان لابد من إشغال الذاكرة بها بشكل دائم ، فهي الهم الذي لا يبارح التفكير والأمل ، ومن أجله تنفس الفلسطينيون مراحل من العمل الفدائي والكفاح المسلح وتعرضوا لأبشع أنواع القتل واستشهد منهم الآلاف وما زالت فلسطين تتنقل من جيل الى آخر، على الرغم من النظرية التي تقول أن الكبار الفلسطينيين سوف يموتون والصغار سينسون وبذلك لا فلسطين بعدها لافي البال ولا في الكتب ولا على الشفاه .. لكن العكس حصل تماماً بعد موت الجيل الذي عاش النكبة ، فإذا بالصغار هم الاكثر تمسكاً بها ، وهم كانوا الخميرة الفدائية التي وضعت تاريخ الصراع مع اسرائيل في مفهوم الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية ، فجاءت الأجيال الشابة الطالعة أشد تذكراً وممارسة لإحساس نابض بالفلسطنة المتيمة بالوطن الفلسطيني.
ومن ظروف تلك القضية المقدسة، أنها أفرزت ذاتها على الوطن العربي فولدت قضايا وأحداثا ، لعل ما نعيشه اليوم صدى لها ، وأحداث اليوم، هي المسبب فيها نتيجة وجود الكيان الصهيوني الذي منذ قيامه على أرض فلسطين فجر الواقع العربي بأشكال مختلفة، وظل الحارس الشيطاني لأفكار الغرب بكل أشكال تآمره على الأمة الواحدة.
في المكتبات اليوم كتب عن فلسطين وكتب لفلسطينيين وضعوا فيها أفكارهم الوطنية، إضافة الى إبراز خطر اسرائيل وكيفية صراعنا الوجودي معها. هنالك الروايات والقصص في كمها الكبير وكلها تعبير عن القضية بشتى أشكال الإبداع، كما هنالك الشعر الفلسطيني الذي برزت منه أسماء لامعة مثل محمود درويش فصار نجماً شعرياً عالمياً يشار اليه كلما كانت فلسطين حاضرة في ندوات العالم . وهنالك الأفلام عن فلسطين، وشتى أنواع الكتب السياسية وما شابهها.
لابد من ذاكرة فلسطينية مستمرة حتى يمكن ضخ الهواء باسم فلسطين كي يظل أثيراً حياً لا يخبو مع الزمان والمكان .