صحف - الإعلام :
خلص سفير المهمات الخاصة في وزارة الخارجية الروسية والأكاديمي في العلوم التاريخية كيريل بارسكي في مقال نشر في صحيفة (روسييسكايا غازيتا) إلى أنه لا يجوز تكلم بعض الدول بلغة العقوبات وفرضها في العالم المعاصر على دول أخرى إذ أن محاولات "الكبح والعزل" أصبحت "عقيمة" ولا مغزى لها مؤكدا أنه لا بد من الابتعاد عن سياسة الهيمنة وإجراء حوار متكافئ باحترام متبادل في مسائل الخلاف لحلها بوسائل سياسية دبلوماسية مع التقيد الصارم بالقانون الدولي.
واستعرض بارسكي في مقاله الذي حمل عنوان "محاولات عزل دولة عظمى تبوء بالفشل" ما جرى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في عام 1989 إذ فرضت واشنطن وحلفاؤها عقوبات دولية على الصين في أعقاب الأحداث التي جرت في ساحة تيان مين في بكين يومي الثالث والرابع من شهر حزيران في ذلك العام.
ويشير بارسكي إلى أن واشنطن بدأت بممارسة ضغط دولي على بكين لفرض عزلة دولية ثم تلاها تشكيل جبهة موحدة ضد الصين في المجتمع الدولي من خلال اجتماع قمة لقادة دول مجموعة السبع ولكن الصين ردت على هذه التصرفات وحللت الوضع الناشئ وأقرت حزمة من التدابير المضادة في المجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية للحيلولة دون تطور الأحداث باتجاه غير مرغوب واعتبرت أنه من الهام أن يعرف العالم برمته ثبات السياستين الداخلية والخارجية لجمهورية الصين الشعبية وعدم الإنحناء أمام الصعوبات ومواصلة سياسة الإصلاحات والانفتاح.
ويلفت بارسكي إلى أن بكين اختطت نهجا سياسياً خارجياً جديداً يهدف إلى إيجاد نقاط استناد بديلة عن الغرب في السياسة والاقتصاد والتغلب على عواقب العقوبات وخرق الحصار من جانب البلدان الغربية واستعادة وتعزيز مواقع الصين الدولية وأعادت النظر بالنظرية السابقة للعلاقات مع مراكز القوى العالمية التي كانت تعتمد بالأساس على علاقات بكين مع واشنطن وجعلتها نظرية متعددة الأطياف وأكثر توازنا وأصبحت العلاقات الصينية السوفييتية تتمتع بالأولوية لأول مرة منذ ثلاثة عقود وهذه كانت النتيجة لسياسة لعزل والضغوطات الغربية.
ويؤكد بارسكي أن محاولات واشنطن وحلفائها لعزل الصين دولياً باءت بالفشل المطلق وراحت آلية العقوبات تتعطل عن العمل وأخذ الغرب يدرك بسرعة أن سياسة مناهضة الصين تضرب بمصالحه الذاتية بالدرجة الاولى.
وأكد بارسكي أن الصين لم تعد بعد هذه التجربة هي تلك الصين التي كانت شريكا مطواعاً لبلدان الغرب وتحظى برعايتها ومباركتها على خلفية العداء للسوفييت في السبعينيات والثمانينيات بل تعلمت كيف تذود بشدة عن مصالحها وأظهرت قدرتها على الذهاب إلى تدابير حازمة وحتى على المجابهة على حافة الخطر عندما ترى انتقاصا من كرامتها القومية.
وبين بارسكي أن بكين استخلصت الاستنتاجات المناسبة مما حدث وراحت تضفي أهمية أولوية على مسائل ضمان الأمن القومي وتعزيز القدرة الدفاعية للبلاد وأرغمت العقوبات الصين على الأشتغال ببناء عسكري واسع النطاق وأعطت المقاطعة في مجال التسلح دفعة قوية لتطوير المجمع العسكري الصناعي الصيني وهذه هي النتيجة العسكرية للحظر والعقوبات.
وأوضح بارسكي أن التدابير المضادة التي اتخذتها الصين في الميدان السياسي الخارجي إلى تغيير جوهري في اصطفاف القوى على الصعيدين العالمي والإقليمي ولا تزال الشراكة الاستراتيجية الصينية الروسية التي أبصرت النور في تلك الفترة تشكل حتى اليوم أحد العناصر الأساسية في السياسة العالمية وتوطدت مواقع الصين في جنوب شرق آسيا وفي افريقيا والشرق الأوسط وفي أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى.
ويشير بارسكي أنه نتيجة لسياسة الغرب الرعناء بمعاقبة الصين حصل العالم على خطوط فاصلة جديدة وبؤر جديدة للتوتر وازدادت حدة النزاعات السابقة وعلى مدى الكثير من السنوات دأبت البلدان الغربية على ممارسة ضغوط على لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لتمرير قرارات تدين الصين لانتهاك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ولكن وبفضل التعبئة الماهرة للدعم الدولي تمكنت الصين من إحباط هذه المحاولات بالتدريج ومع ذلك بقيت اللجنة التي تحولت حاليا الى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رهينة على مدى سنوات طويلة لمجابهة حادة وقرارات مسيسة.
ويتسائل بارسكي.. "هل أصبح العالم أكثر ديمقراطية وعدالة وأمناً وهدوء نتيجة أعمال الولايات المتحدة وحلفائها.. وهل ازدادت الثقة المتبادلة بين الدول هذه الثقة الضرورية من اجل التصدي المشترك للتحديات الكونية في العالم المعاصر.. وما هي الفائدة العملية التي حملتها هذه الأعمال.. وماذا احرز أولئك الذين لجؤوا إليها".
واختتم بارسكي مقاله بالقول: إن "الدروس والعبر التي كان ينبغي استخلاصها من محاولات فرض عزلة دولية على الصين باتت واضحة للعيان وبات محكوما على أي خطوة متهورة في ظروف اشتداد الترابط وغياب الوضوح في العلاقات الدولية أن تكون مؤهلة للإتيان بعواقب لا يمكن التكهن بها وان ترتد على أصحابها".