أخذت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر حول رؤيته عن العملية الروسية في أوكرانيا ما أخذت من اهتمام الإعلام والصحافة، وأحدثت اختلافات بسبب دخول صحف كبرى في أمريكا وبريطانيا في تيار النقاش في ما يقول.
وتقول صحيفة الخليج الإماراتية إن كيسنجر جذب الاهتمام مجدداً بما طرحه في منتدى دافوس عبر الفيديو كونفرانس من رؤية مستقبلية، تتبصر ما هو متوقع قريباً للمشهد الراهن المعقد، ودعا في كلمته أمريكا والغرب إلى الامتناع عن محاولة تطويق روسيا بالقواعد العسكرية، وحذر من أن ذلك سيزيد من عدم الاستقرار في أوروبا على المدى الطويل، وحث الغرب على دفع أوكرانيا نحو قبول الجلوس في مفاوضات مع روسيا.
وتابعت الصحيفة: هنا تأتي الإضافة من صحيفتين كبيرتين في الغرب، إحداهما ديلي تلغراف البريطانية التي توقفت أمام تحذير كيسنجر من الاستمرار في الحرب بعد مهلة الشهرين اللذين أشار إليهما، والصحيفة الثانية هي نيويورك تايمز واستشهدت بمقولة كيسنجر التي أعرب فيها عن أمله في أن توجد الحكمة لدى الأوكرانيين، لتتخذ قرارات إقليمية لتحقيق السلام.
وأكدت الصحيفة أن الاهتمام المتجدد بأقوال كيسنجر رافقته بنفس الطريقة متابعة دؤوبة لآخر تحليل للأزمة مع روسيا من فيونا هيل التي ينظر إليها على أنها من أكبر خبراء أمريكا في الشؤون الروسية وبدا للمتابعين وكأن هناك تقارباً –غير مقصود– في نظرتهما لحرب أوكرانيا، وقالت إن هيل ترى أنه إذا نظرنا إلى حالة روسيا من الداخل، سنجد أن صورة بوتين تتحدد في كونه رجلاً يكافح من أجل حماية روسيا. أي أن روسيا تحتاج إليه، وهو أمر يحدث للزعماء عندما تكون بلادهم في حالة حرب.
وخلصت الصحيفة إلى أن إلقاء الضوء في أمريكا وأوروبا على رؤية كل من كيسنجر، وفيونا هيل، تخيم عليه سحابات داكنة بما يخدم استمرارية الأزمة، وهو ما يعطل فرص اللقاء على مائدة المفاوضات، وحتى يستمع كل من الطرفين للآخر بنية صادقة، تكون الفرصة متاحة لتنازلات متبادلة من الجانبين، وإخراج العالم من محنة لم تكن قد صنعت بين يوم وليلة، بل جرى غرس بذورها في تربة مواتية لها، حتى أننا نشهد الآن واحدة من أخطر المواجهات في العالم.
لكن أوروبا الغارقة في ارتدادات العقوبات على روسيا تنساق خلف العداء وتصدر قرارات غير مسؤولة، منها ما صدر عن وزارات الخارجية في كل من بلغاريا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود لحظر الطائرة الحكومية التي تقل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لحضور لقاء مع زملائه في صربيا.
وفي هذا رأى رامي الشاعر في مقال نشرته صحيفة رأي اليوم أن من غير المستغرب أن تهرع الدولتان الأخيرتان في الانضمام إلى الحلف لتقديم فروض الطاعة والولاء والخضوع لمن يسبقهما من الدول التي تعاني من "روسوفوبيا" مزمنة مثل بولندا ودويلات البلطيق، وبالتالي لأوروبا القديمة الكهلة التي لا تخلو من حكمة.
وقال الكاتب: لم تمنع تلك الحكمة الصغار من استفزاز الكبار للإقدام على مثل هذا الهزل الدبلوماسي، وكشف عورة الديمقراطيات الأوروبية الغربية بتلك "الهستيريا" غير المبررة، والتي لا يمكن تبريرها سوى بما قاله لافروف بعدما تعذر وصوله إلى بلغراد بأن ذلك يؤكد على أن الأمور ليست على ما يرام لديهم في أوروبا.
وتابع الكاتب: لا تبدو أوروبا القديمة متحمسة للمواجهة أو للصراع، فهي تدرك تماماً بالخبرة قبل المعرفة عواقب الحرب، ومعنى الحرب الشاملة، كما تعرف حق المعرفة تاريخ روسيا وحروبها.
وأضاف الكاتب: ما يتشدق به الغرب يتكسر أمام أعيننا على صخرة رغبته المريضة في تدمير الاقتصاد الروسي وما أقدم ويقدم عليه من خطوات حمقاء، على الرغم من ضررها الشديد على الغرب نفسه، وما نراه من هستيرية في التعامل مع زيارة دبلوماسية يؤكد أن الإرادة السياسية لأي دولة داخل حدود أوروبا ملك لبروكسل التي تأتمر بمكالمات تليفونية من واشنطن العاصمة.. "عاصمة العالم" كما تبدو الأمور في النظام العالمي أحادي القطبية، إلا أن هذا النظام يتهاوى ويسقط الآن أمام أعيننا، بينما نشهد صناعة تاريخ جديد، وأوروبا جديدة، ربما لا تخاف لافروف.