حالة فوضى تعيشها المناطق التي تستولي عليها المجموعات الإرهابية التابعة للاحتلال التركي في الشمال السوري، تحدثت عنها صحيفة الأخبار اللبنانية.
الصحيفة أوردت في مقال للكاتب علاء حلبي أن حالة الفوضى تلك يبدو أنها ستدفع أنقرة إلى إعادة النظر في مشاريعها التي كانت تحاول تنفيذها عبر دمج تلك المجموعات وإعادة هيكلتها، لتبحث عن مسارات جديدة تُعيد عبرها ضبط تلك المناطق، وتحصّن استيلاءها عليها.
وأضاف الكاتب: لا ينفصل سياق إعادة الهيكلة السياسية التي يرعاها الاحتلال التركي للمجموعات التابعة له عن محاولات إعادة هيكلة المجموعات في المناطق التي يحتلها في الشمال، وبرز ذلك بشكل واضح عبر خطط حاول تمريرها خلال الشهور الماضية، سواءً عن طريق دمج المجموعات تحت مظلّة واحدة، أو ما تبعه من خطوات نتيجة فشل هذا الدمج، وآخرها تكريس حالة انقسام بين أطراف وتكتّلات، في ما يشبه عملية "اصطفاء طبيعي"، وفق وصْف مصادر ميدانية تحدّثت إلى الصحيفة.
ورأت المصادر أن ثمة رغبة تركية في خلق بيئة موحدة تحت غطاءَين سياسي وعسكري، الأمر الذي يسهّل عليها قيادة المنطقة من جهة، ويؤمّن لها تمرير مشاريع مستقبلية، سواء قضم المناطق المحاذية للشريط الحدودي، أو خلق بيئة موالية لأنقرة بعد عمليات التغيير الديموغرافية التي يتم تنفيذها حالياً، في حال تم التوصل إلى اتفاق سياسي مستقبلاً خرجت على إثره الاحتلال التركي من سورية، من جهة أخرى.. وضرب المصدر مثالاً على اختلاف النهج التركي بين مرحلتين، حيث دعمت أنقرة في المرحلة الأولى توحيد المجموعات الإرهابية، وفي المرحلة الثانية دعمت تمزّقها؛ إذ قامت ابتداءً بالضغط عليها للانخراط تحت مظلة موحّدة تضمّها جميعها، أُطلق عليها اسم "غرفة عزم"، والتي ضمّت ثلاثة تشكيلات رئيسة: "حركة البناء والتحرير" (تضمّ "جيش الشرقية"، و"أحرار الشرقية"، و"الفرقة 20")، و"الفيلق الثالث" (يضمّ ستّة فصائل إرهابية أبرزها "الجبهة الشامية" و"جيش الإسلام")، و"هيئة ثائرون" (تضمّ سبعة فصائل إرهابية أبرزها "السلطان مراد" و"فيلق الشام" و"سيمان شاه")، قبل أن تشهد هذه الغرفة انشقاقات لاحقة نتيجة سعْي أطرافها إلى فرض سيطرتهم، لتَظهر ملامح سياسة تركية جديدة تدعم تلك الانشقاقات.
وتابع الكاتب: يتوافق اختلاف النهج التركي في إدارة المجموعات الإرهابية مع معلومات سابقة حول وجود مخطّط يقضي بتوحيد المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، بما فيها إدلب التي تستولي عليها "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) الإرهابية، ويبدو أنّ هذا المخطّط اصطدم في مرحلة التوحيد برفض من بعض المجموعات، وعلى رأسها "الجبهة الشامية"، التي استغلت "غرفة عزم" لشنّ هجمات طالت جماعات تتمتع بعلاقات قوية مع الاحتلال التركي، من بينها "سليمان شاه"، الذي يعتبر من أبرز موردي الإرهابيين الذين ترسلهم تركيا للقتال خارج سورية (ليبيا، وآذربيجان، وأخيراً أوكرانيا).
وأضاف الكاتب: أمام تلك المساعي، يبدو أن "الجبهة الشامية" والفصائل المتحالفة معها (الفيلق الثالث)، وعلى وقع الضغوط التركية المتواصلة بتخفيض النفقات والاعتماد على التمويل الذاتي أسوة بـ "تحرير الشام" الإرهابية، بدأت محاولات السيطرة على معابر التهريب، التي تُعتبر من أبرز الموارد المالية، بالتوازي مع محاولات تهميش الفصائل الأخرى ("هيئة ثائرون" على وجه التحديد) وتسليط الضغط عليها لإنهاء المنافسة معها، الأمر الذي خلق بيئة متوترة جاهزة للاشتعال في أيّ وقت، وهو ما تَظهر آثاره بين وقت وآخر في صراعات واشتباكات دامية.
مصادر الصحيفة توقعت استمرار حالة التوتر القائمة في الوقت الحالي، في ظل عدم تدخل الاحتلال التركي، والإصرار على تقديم الدعم السياسي لمجموعات إرهابية بعينها وتجاهل أخرى، الأمر الذي يمكن أن ينتهي إلى أشكال عدّة، جميعها تصب في مصلحة الاحتلال التركي.