تتزايد شعبية العمل عن بشكل مطرد هذه الأيام نظراً إلى التطور التكنولوجي الذي وفر مزيداً من التقنيات والأدوات المتنقلة، إضافة إلى التطبيقات والبرامج التي تسمح للعاملين بالبقاء على اتصال مع مكاتبهم طيلة الوقت بغض النظر عن مكان وجودهم الفعلي، ويطلق على العمل من بعد تسميات عدة منه work from home (WFH)، work from anywhere، remote job، mobile work، distance work .
قبل ظهور الإنترنت:
الحقيقة أن العمل من بعد ليس مفهوماً جديداً، ولا ترتبط نشأته بالعصر الرقمي وتطبيقاته فقط، فهو موجود قبل الإنترنت، وأول من طمس الحد الفاصل بين حياة العمل والمنزل هم البشر الأوائل، إذ كانت أماكن معيشتهم هي بيئة عملهم حيث يقومون بفرز ما يجمعونه خلال اليوم، ثم في العصور الوسطى ومع ظهور بعض الأدوات اليدوية المساعدة كتقنيات حديثة، بدأ البعض مثل صانعي الأحذية والنساجين والنجارين وغيرهم، يطلقون متاجرهم الخاصة من أماكن معيشتهم، إذ كانوا يجدون في امتلاكهم مكان عمل متشابكاً مع مكان معيشتهم أمراً يجعل الحياة أسهل.
وبقي الوضع هكذا إلى ما بعد الثورة الصناعية، ومن هنا بدأ تحول ملحوظ وعميق في طريقة عمل الناس، عبر انتقالهم إلى العمل في المصانع والبدء بتوفير عناصر بشكل أسرع وأقل سعراً، حيث تطلبت الآلات الكبيرة كوادر بشرية لتشغيلها ومتابعتها وصيانتها ضمن المصانع، وبذلك، أنشأت الثورة الصناعية نموذج العمل خارج المنزل الذي لا يزال عديد من أصحاب العمل يتبعونه حتى اليوم .
العودة للمنزل من جديد :
مع تطور التكنولوجيا وتناقص وظائف التصنيع تحول العمل مرة أخرى إلى نموذج العمل من بعد، إذ مهدت أجهزة الكمبيوتر والإنترنت الطريق لهذا التحول في العصر الحديث.
في أواخر التسعينيات بدأ مزيد من الناس شراء أجهزة الكمبيوتر الشخصية وتوصيل منازلهم بالإنترنت، وفي أوائل العقد الأول من القرن الـ21، سمحت بعض الشركات الأميركية لموظفيها بالعمل من المنزل، بسبب نتائجه اللافتة في جعل الموظفين أكثر إنتاجية مع نوعية حياة أفضل وتخفيض للنفقات ووقت التنقل.
كما دفع تفشي جائحة فيروس كورونا الكثيرين في شتى أرجاء العالم إلى خوض تجربة "العمل عن بُعد"، التي تعلمنا منها الكثير من الأشياء.
بدأت تجربة العمل من المنزل تنتشر بعد وباء كورونا في يوم وليلة تقريبا، بأقل قدر من التحضير أو الدعم، وكنا نعمل على طاولات المطبخ في منازلنا، وأحيانا نراقب أطفالنا، أثناء الاحتماء من الفيروس، كان الجميع في ذات القارب، يعملون عن بُعد دون اختيار.
على مايبدو أن التاريخ يعيد نفسه ، وبالنظر إلى الوضع الراهن للعمل من بعد، لا يظهر أي علامات لتراجع هذا النموذج من العمل، إذ إن الإيجابيات ما زالت تفوق العيوب بأضعاف، وعملية الجمع بين مساحتي العمل والمعيشة تبدو سهلة بوجود التكنولوجيا والتسهيلات الحالية فيبقى السؤال هل سينتشر العمل عن بعد بشكل متزايد بشكل يجعل أحفادنا يفكرون كيف عملنا يوم من الأيام منت المنزل .