ربما من نافل القول إن الزلزال الذي ضرب كل من سورية وتركيا كان زلزالين لا زلزال واحد! زلزال طبيعي مثل كل الزلازل التي تضرب في مكان ما من الأرض ويذهب ضحيتها الكثير من الناس دون تفريق بين كبير أو صغير أو أبيض أو أسود وهذا طبيعي في عرف الكوارث، فلم يُعرف أن الكوارث الطبيعية تميز بين البشر.
أما الزلزال الأخطر فكان سياسياً بامتياز ومن فعل البشر فمن كان يتوقع أن يكون تقاعس المجتمع الدولي بهذا الحجم على الرغم من هول الكارثة التي لم يحصل مثيلاً لها منذ قرون! ومن كان يتوقع أن يتم التمييز في التعامل بين مصابي الزلزال في تركيا وبين مصابي الزلزال في سورية، فبينما تقاطرت المساعدات على تركيا من كل أصقاع العالم وخاصة من أوروبا وأمريكا، وتزاحمت الطائرات في سمائها تحمل المساعدات والأدوات والأغذية والأدوية للمنكوبين لم تضل سبيلها إلى سورية حيث المنكوبون من المستوى الآخر !
ومن كان يتوقع أن يتم ترك المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية، والتي دعمت الدول الغربية مقاتليها بالسلاح والمال لمواجهة إخوتهم السوريين لمدة عشر سنوات ونيف، أن تتخلى عنهم في وقت الكارثة لتظهر حقيقة المجتمع الدولي .. دعم في الحروب، وتقاعس في الكوارث والملمات.
في الجانب الآخر من كان يتوقع أن يكون التضامن العربي مع سورية بهذه القوة والضخامة ومن كان يتوقع أن يكون وقوف الأخوة العرب إلى جانب أخيهم السوري "المكلوم" بهذه الشدة، بعدما رفض بعضهم حضور دمشق للقمة العربية الأخيرة في الجزائر! ومن كان يتوقع مثلاً أن تكون فرق لبنان والأردن والعراق وفلسطين – دول الجوار السوري - من أنشط الفرق وأسرعها في عمليات الانقاذ والإغاثة، ومن كان يتوقع أن تفوق نخوة الإمارات والجزائر وعمان كل نخوات الدول العربية، ومن كان يتوقع أن يتصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالرئيس بشار الأسد وأن يتصل رئيس حكومة الوفاق الليبية عبد الحمبيد الدبيبة برئيس الوزراء السوري حسين عرنوس على الرغم من القطيعة بين الطرفين!
وفي المقلب التركي من كان يتوقع أن تكون مصر أول الواقفين إلى جانب تركيا متجاوزة خلافاتهما بشأن الغاز وليبيا والاخوان، أو أن يزور وزير خارجية اليونان تركيا ويعلن وقوف اليونان إلى جانب تركيا بعدما هدد أردوغان بقصف أثينا بالصواريخ البالستية، وبدلاً من أن يصبح البلدان على شفير حرب طاحنة! تحولت العلاقات بينهما إلى علاقات أخوة ومحبة، حيث كان اليونانيون أول الواصلين للانقاذ ورفعت صحفهم شعار "كلنا أتراك".
ومن كان يتوقع أن تعمل فرق الانقاذ الروسية جنباً إلى جنب مع فرق الانقاذ الأوكرانية، وفرق الانقاذ الأرمنية إلى جانب فرق الانقاذ الأذربيجانية! إنها الكوارث التي تجمع المتقاتلين والمتخاصمين لمواجهة غضب الطبيعة.
وفي المقلب الانساني "المقونن" من كان يتوقع تخاذل منظمات الأمم المتحدة وتأخرها أو فرق انقاذ الدول المتقدمة متناسية الدروس التي صدعت بها رؤوس العالم في المساواة وحقوق الانسان! ألم تكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي آخر الدول التي تفكر بإرسال مساعدات إلى الشعب السوري المنكوب؟!