العقوبات الاقتصادية، والتشهير الجرمي بحق الخصوم، والحصار بكل أشكاله، والحملات الإعلامية، هي تحصيل حاصل في العقل العقابي الأميركي، ولكن عندما يقتصر الأمر على ذلك، فهذا يعني أن الضربة العسكرية غير متاحة؛ أقله في هذه اللحظة.
للغضب الأمريكي بحسب ما جاء في مقال لجريدة الأخبار اللبنانية علامات ومظاهر، وهو يعكس طريقة التفكير، ويعكس القدرة وهامش الحركة أيضاً؛ ففي حالة الدول الضعيفة أو القوى غير الحكومية أو المجموعات الحزبية أو الأفراد، ينزل الغضب الأميركي ضربة قاتلة في لحظات. لا حاجة لأميركا إلى أن تسأل أو تستأذن أحداً، لا مجلس أمن ولا أمم متحدة ولا ناتو ولا قضاء ولا من يحزنون. وهي تفعل ذلك، لأن تقدير رد الفعل على غضبها يكون حاسماً في أن المقابل تحت السيطرة.
ويتمظهر الغضب الأميركي في حالات أخرى على شكل خطوات يصفها البعض بـ "المدروسة والعاقلة".
وقالت صحيفة الأخبار إننا نراقب مستوى من الغضب الأميركي (وتالياً الأوروبي) من النوع "العاقل والمحسوب"، وصحيح أن روسيا قالت بلسان رئيسها إنها مستعدة للأسوأ لكن هذا الاستعداد ليس بالضرورة عنصراً كافياً للردع. بل هو في حدّه المنطقي إعلان الاستعداد للذهاب إلى أبعد من المستوى القائم من الحرب الآن.
ومن المفيد -بحسب الصحيفة- مراجعة ما سرّبته المصادر الأمنية والعسكرية والسياسية الأميركية طوال أسبوعين. هؤلاء الذين كانوا يجزمون بأن الحرب واقعة، ولم يكونوا يستندون فقط الى تعنت "زلمتهم" في كييف، ولا إلى التحشيد العسكري الروسي على الحدود مع أوكرانيا، بل، أولاً وأخيراً، إلى معطيات يملكها الأميركيون حول بروز عناصر جديدة تتيح لبوتين السير في الخيار العسكري.
وتابعت الصحيفة: على قياس الموقف الأميركي، لنأخذ كل المواقف التي صدرت وتصدر عن أطراف حلف الناتو، وعن العواصم الغربية وعن المنظمات والهيئات بكل أصنافها، وخصوصاً غير الحكومية، حيث تباشر ماكينة جورج سوروس تحصيل الفواتير من كل الذين موّلهم خلال ثلاثة عقود، لأنه يخشى على النموذج الذي عمل على إنتاجه طوال عقود طويلة، وظن أنه بات راسخاً لا تهزه عاصفة ولا موقف، ولا يقدر أحد على إطاحته... وكل هؤلاء يرفعون الصوت، ولمن لا يريد أن يتعب نفسه في البحث، يكفي أن يعود الى أرشيف ما يسمى "ثوار" سورية ولبنان والعراق ومصر وتونس وليبيا من الذين انتهى بهم المطاف إلى حيث ما نسمعه اليوم من "الدمية" زيلينسكي، الذي يصرخ في البرية: ها أنا متروك وحدي... والعالم الحرّ يتركني فريسة الدب الأكبر!
وقالت الصحيفة: لنقل إن زيلينسكي كان يراهن على أن الغرب سيردع روسيا ويمنعها من شن الحرب. هذا كل ما كان يقدر على قياسه، لأنه يعرف أن واقع بلاده العسكري والأمني والسياسي والجغرافي والاقتصادي لا يمكنه من مواجهة الروس. وهو يعرف أن في بلاده أكثرية لا ترغب به، حتى ولو كانت هذه الأغلبية لا تريد لروسيا أن تعود إلى حكم أوكرانيا. لكن الرجل يستمد قوته من النفوذ والدعم الغربيين. وهو كان يأمل أن يشمل هذا الدعم توفير درع حماية عسكري يقيه شر القتال، وعندما بدأ يسمع أزيز الرصاص، توهم أن الجيوش الغربية بدأت الزحف لنجدته، وعندما اكتشف فجأة أنه موهوم أو مخدوع، صار يرفع الصوت صارخاً في وجه الغرب، ويرفع الصوت مستجدياً حواراً مع روسيا علّه يبقى في الحكم ولو مع تنازلات.
عملياً، يعلّمنا الدرس الأوكراني أن الغرب فيه عقل. عقل شرير انتهازي حاقد، لكنه ليس عقلاً جاهلاً، بل عقل يقيس الربح والخسارة. وفي حالتنا هذه، يجد الغرب نفسه أنه أمام خيارات ضيقة جداً. فالغضب المطلق يدخله في مجهول ليس معروفاً منه سوى الموت والدمار. أما الغضب العاقل والمحسوب، فيتيح له اللعب على التناقضات، علّه يحدّ من خسائره، ويتعلم من أجل المواجهة المقبلة.