كتب د.خيام الزعبي في صحيفة رأي اليوم تحت عنوان "رسائل من القاهرة":
إن العلاقات السورية المصرية هي علاقات ديناميكية وحيوية، فكلما دخلت العلاقة السورية المصرية في طور من التقلبات نجد أنها تخرج سريعاً لتدخل في طور من القوة لأن مصر هي دوماً الأقرب إلى سورية، والأقدر على فهم ما يجري فيها.
لقد كانت العلاقات السورية المصرية إلى حد كبير تشكل ضابطاً لا شك فيه، في سياسات النظام الإقليمي، وبعد أن تم قطع العلاقات السورية المصرية وتحولها إلى عداء مكشوف تأثر النظام الإقليمي بشكل واضح وتبعثرت الإمكانيات وكثرت الاختراقات الخارجية، والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد العربية، وبرزت الصراعات الحدودية الإقليمية والحروب الإعلامية، ولم يخل سجلها من حملات التشهير والتصعيد التي فاقت كل التصورات.
وبعد عزل الرئيس محمد مرسي الذي اتخذ قراراً بقطع العلاقات مع سورية فاجأ به وزارة الخارجية المصرية، وخرج عن كل الأعراف الدولية ووضع مصر في حرج شديد تجاوز المستقر في الاستراتيجية المصرية التي ينص أحد مبادئها على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، كان الموقف يحتاج إلى علاج سريع يقضي تماماً على أسباب التوتر، فكان قرار عودة العلاقات السورية المصرية أمراً لا بد منه ومطلباً سورياً ومصرياً وبل عربياً أيضاً.
في سياق متصل تأتي زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى القاهرة لتكون منعطفاً واضحاً وشفافاً لتطوير العلاقات السورية المصرية في المستقبل، كما تمثل هذه الزيارة التحدي الأكبر للأنظمة المعادية لسورية، ورسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن مصر ثابتة في مواقفها بالنسبة لدمشق، لذلك تؤكد هذه الزيارة أن هناك تفاهمات تصل إلى حد التطابق بين سورية ومصر وترجمة للحراك المصري وسعيه في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
لكن المفاجأة لن تكون فقط في عودة العلاقات بين سورية ومصر، بل سيكون أيضاً في استعادة سورية لمقعدها في جامعة الدول العربية خاصة بعد التقارب السوري العربي والتغيير الذي شهدته بعض الدول التي دعمت تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية بالإضافة الى ما تمر به تركية من اضطرابات وتوترات تؤثر بشدة على دورها الإقليمي، أو تدخلها في الشأن السوري.
إن حالة التردي التي سادت العلاقات السورية المصرية وعلى مستوياتها الرسمية خلال السنوات الماضية بين التعثر والتقلب، أدت لانتكاسات كبرى في مسار العمل العربي المشترك وأعطت نتائجها السلبية على أكثر من قضية وعنوان سياسي في المنطقة، ما أدى إلى غياب دور سورية ومصر الفاعلين والمؤثرين عن ساحة العمل العربي المشترك وبروز أدوات إقليمية مجاورة التي باتت كل منها أوسع حضوراً وتأثيراً في ميدان الساحة الإقليمية والدولية.
وبالمقابل ما زالت هناك قوى تتربص لضرب العلاقات السورية المصرية وعزل سورية عن الصف العربي وفي مقدمتها الشقيقة مصر لأنها تدرك جيداً خطورة التقارب السوري المصري على مصالحهما الحيوية في المنطقة.
وفي هذا السياق ترى إسرائيل من عودة الحياة الطبيعية للعلاقات السورية المصرية بكل وديتها وحرارتها مسألة مثير للقلق، ومثيرة للفزع، خوفاً من حدوث عملية انتقال متدرجة لمصر بالمعنى السياسي والتاريخي من موقع إلى موقع معاكس تماماً وهو ما يترتب على إسرائيل إعادة بناء فلسفتها الأمنية والعسكرية وإعادة بناء الاستراتيجية العسكرية على أساس العودة للحالة التي كانت سائدة قبل عام 1979.
وأخيراً يمكن القول إن عودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي بين سورية ومصر، وإعادة بناء العقد التحالفي السوري المصري هو الذي يستطيع الآن أن يقيم توازناً جديداً في المنطقة وأن يحدث تغييراً مهماً في معادلة إدارة الصراعات، كما أننا على ثقة تامة أن الشعبين السوري والمصري قادران على تجاوز وتخطي أزمتهما ومحنتهما الراهنة بفضل تماسكهم ووحدتهم الوطنية، لأنهم يدركون جيداً دورهم في المنطقة العربية من خلال عودتهم لتبوء موقعهم ومكانتهم العروبية والقومية في مواجهة كل المشاريع الامبريالية في المنطقة. وبالتالي فإن كل هذه المعطيات تشير إلى أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، ما يعني نتائج إيجابية لبعض دول الإقليم في المنطقة وعلى الأخص سورية.