وجهات نظر

الاصدار السابع لمؤتمر بروكسل.. نسخة عقيمة أخرى تضاف لسابقاتها

الدكتور: منذر علي أحمد


من واقع المؤتمرات التي شهدتها سنوات الأزمة السورية كانت السمة المشتركة فيها خاصة عندما ترعاها أوروبا دعوة طرف واحد وإنكار وجود أطراف أخرى مؤثرة، فالغربيون يحبون الحديث بهدوء وبصمت عن المشكلات الإنسانية التي يعاني منها الآخرون، وخير دليل على ذلك ما شهده مؤتمر بروكسل في إصداره السابع من تغييب وإنكار لأي دورللدولة السورية الممثل الشرعي عن السوريين بمختلف مشاربهم وأماكن تواجدهم سواء في الداخل أو الخارج.

 

علمياً يمكن القول إنه عندما تنفذ تجربة بالشروط  نفسها والمعطيات نفسها ودون تغيير أي من العوامل والشروط الفيزيائية المحيطة بالتجربة فإنك ستحصل على النتائج نفسها (ومن الغباء توقع نتائج مختلفة عند إعادة التجربة مرة أخرى) أما في منطق السياسة فعندما تعيد التجربة نفسها مع إدراك أن جميع المعطيات المحيطة قد تغيرت فإنك تمارس نفاقاً سياسياً وتحيك خيوط مؤامرة جديدة وبالتالي لديك أهداف تبتغي تحقيقها... فكيف يمكن للنسخة السابعة لمؤتمر بروكسل أن تنكر الواقع الجديد المتمثل بالعودة المؤثرة لسورية إلى جامعة الدول العربية للعب دورها الفاعل؟ وكيف لهم أن يصموا آذانهم ولا تزال أصداء كلمة الرئيس بشار الأسد تتردد في قاعات القمة العربية في جدة، كما لا تزال صورة حرارة العناق واللقاء الذي جمعه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حاضرة تقض مضجع كل من لا يريد الخير لسورية وللأمتين العربية والإسلامية؟! وكيف يمكن للاتحاد الأوروبي الذي يدعي حرصه على الحل السياسي في سورية أن ينكر تلك الحقائق ويدعي أنه يلتزم بتطبيق القرار 2254بالرغم من أنه من أكثر الدول التي تسعى لعدم الوصول إلى حل سياسي وفق ما ترتضيه أغلبية السوريين وليس ما يرتضيه قلة قليلة مرتهنة ببعض الممولين الخارجيين؟!


سبع ولادات لمسوخ مشوهة غير قادرة على الحياة والاستمرار لم تكن كافية لإقناع القائمين على ما يسمي مؤتمر بروكسل بأن النسخة الحالية منه لن تكون أقل تشوها ولن تكون أكثر إثماراً من سابقاتها، عادة في مثل هكذا مؤتمرات قل لي من يشارك فيها أخبرك يقيناً بما ستؤول إليه النتائج والتوصيات الخارجة عن تلك المؤتمرات التي ظاهرها الشعارات الإنسانية البراقة التي تدعي بأنها تهدف للمساهمة في صياغة مستقبل مشرق للسوريين، أما في باطنها فهي غرفة عمليات لحياكة مؤامرات جديدة أو الاستمرار في مؤامرات وأجندات سابقة غايتها الأساسية إبادة السوريين والقضاء على وجودهم سواء بالعسكرة أو بحرب اقتصادية تستنزف ما بقي لهم من موارد استنزفتها سنوات الحرب والحصار الاقتصادي الغربي والأمريكي الطويلة، كما أنها تحمل في طياتها عبارة واحدة الاستعداد الغربي للتضحية والقتال حتى دماء آخر "معارض سوري" وللأسف هيهات أن يعتبر من ذلك السلوك العدواني الغربي أولئك الذين جعلوا من أنفسهم أدوات بأيدي أعداء أوطانهم.

 

هذه الحال تنطبق اليوم على مؤتمر بروكسل الذي حمل زورا ًوبهتاناً شعار "دعماً لمستقبل سورية والمنطقة " وواقع حال السوريين منذ انطلاق شراراة المؤتمر الأول لأولئك المؤتمرين هو من سيئ إلى أسوأ.
في الحديث أولاً عن شعار مؤتمر بروكسل السابع الذي عقد في بلجيكا تحت عنوان "دعماً لمستقبل سورية والمنطقة" نستخلص أن هذا الشعار كغيره من الشعارات البراقة يحمل حجماً من النفاق يدل بشكل قاطع على أن مسيرة النفاق الغربي والمعايير المزدوجة لا تزال سارية المفعول في أدمغة المتآمرين على سورية منذ اللحظة الأولى لما سمي زوراً "الربيع العربي" وهو رسالة للشعب العربي بأن قرارات جامعتكم عديمة الجدوى دون مباركة الغرب وأمريكا وكل محاولة لحل مشكلاتكم وترميم بيتكم الداخلي العربي بأنفسكم لن تكون مجدية وعلى مدار الإصدارات السابقة لهذا المؤتمر لم نجد أن الدعم وصل إلى السوريين في الداخل ولا إلى دول الجوار التي تحتضن بعض السوريين على أراضيها.

 

من عام إلى آخر، يطلقون في بروكسل وواشنطن الوعود التي بالطبع لن تتحقق...العار والفضيحة صفتان يستحقهما الذين ما زالوا يراهنون على هذا المؤتمر وأمثاله، الذي تعهد بخطط للاستجابة الإنسانية في سورية تضرب كل عام أرقاماً قياسية فيما يتعلق بنسب التنفيذ والمنح وفي كل مرة الحجة واضحة وجاهزة هناك نقص حاد في التمويل، إن لم يكن لديك ذلك المال الذي تدعي بأنك ستقدمه، إذاً لمَ كل هذا النفاق السياسي والاستمرار في الإعلان عن تلك الأرقام الخلبية التي تدعون تقديمها في كل مؤتمر للسورييين؟ طبعا كل ذلك البذخ في المنح والعطاء يتم عبر الورق وفي المؤتمرات وإن صرف شيء منه فهو يذهب لمن يريديون كسب ولائه واستمرار تقديم خدماته لهم وضمان عمله ضد بلده لصالحهم.

 

وإذا ألقينا نظرة واقعية على مضمون بيان مؤتمر بروكسل السابع لدعم مستقبل سورية والمنطقة، وأجرينا مقارنة مع الواقع الميداني والخطوات التنفيذية على الأرض لأدركنا أن حاله كما جميع المؤتمرات (التي تدعي ظاهرياً بأنها تبحث عن حل للأزمة السورية) لم تكن إلا جبالاً تنجب فئراناً مشوهة، وأن الهدف من التوقيت هو توجيه رسائل لمختلف الأطراف بأن شيئاً ما لم يتغير ولم يحصل أي تبدل في الموقف الأوروبي تجاه المسألة السورية، وأن على المؤتمرين الاستمرار في تبني النهج القديم.

 

هذه المؤتمرات لا طائل منها طالما أنها عقدت وستعقد بتغييب متعمد للحكومة السورية وبدون دعوتها أو مشاركتها رغم أنها المعنية بشكل رئيس بأي حل جدي يمس الشعب السوري بكافة أطيافة وبكافة أماكن تواجده سواء في الداخل أو الخارج.

 

إذاً هذا هو الغرب الذي ما زال يمارس آلاعيبه المشبوهة الخبيثة التي ستبقي سورية بموجبها تنزف، فالمؤتمر هو مجرد محاولة لضخ الإمدادات المالية لبعض التنظيمات الإرهابية لكي تستمر في عملية رفضها وتعنتها بالتسليم للواقع الجديد، فعلى مدار النسخ السابقة ماذا استطاع هذا المؤتمر أن يقدم!!؟ والاتحاد الأوروبي لم يستطع أن يخفي نظرية فرزه المذهبي والعرقي خلال طريقة وأسلوب وتعاطيه وطرق مساعدته وتعامله مع اللاجئين السوريين الصوماليين أو الليبيين وهذا أمر لا يحتاج إلى برهان!!


وكعادة كل النسخ السابقة من المؤتمر، حيث يتم الإعلان عن دفعات تمويل هائلة، لا تستطيع الدول المانحة الالتزام بها، ولا تستطيع الدول المضيفة الإنفاق من أموالها المزعومة بأنها خصصت لها فالمؤتمر فارغ في مضمونه وفي شكلة وفي نتائجه!! وأغلب الجهات التي استدعاها الغرب وحرص على حضورها لا تمثل إلا نفسها فقط، ومجملها تحولت بشكل صريح من منظمات مختصة بالعمل الإنساني إلى شركات ربحية فقط.
كل من يرى أن الحل في سورية اقترب يجب أن يدرك أن هناك طرفاً غربياً وأمريكياً لا يزال مستعداً لتقديم الأموال واستمرار الصراع، وهم مستعدون للقتال والتضحية في سورية بأسلوبهم نفسه للقتال والتضحية في أوكرانيا، أي مستعدون للقتال بدماء وأموال غيرهم، وغير مستعدين لصرف يورو واحد من جيوبهم أو بذل قطرة دم من دماء أبنائهم في هكذا صراعات.


من المعيب هذا الاستخفاف الذي يمارسه الغرب بحق عقول الناس إلى هذا الحد... ومحاولة القول إن شيئاً ما لم يتغير وإن الاستمرار في النهج القديم هو الحل، من المعيب أن لا يكون الغرب قد أدرك ما جرى ويجري في المنطقة العربية والعالمية خلال الفترة الماضية تجاه المسألة السورية وطغيان الواقعية السياسية على التفكير العربي المنطقي والعقلاني التي تكللت مؤخراً بعودة سورية إلى ممارسة دورها العربي الفاعل المعهود، فهناك واقع جديد يفرض نفسه وعلى الغرب -إن كان يريد بشكل جدي الوصول إلى حل حقيقي في سورية- أن يتعامل مع المعطيات الجديدة التي من أولى بديهياتها السعي الجدي والإيجابي لضمان حضور وفود ممثلي الدولة السورية ومشاركتهم الفاعلة في هكذا مؤتمرات، كونها الممثل الشرعي والوحيد للجمهورية العربية السورية، وأي مؤتمرسيجري دون مشاركتها أو بتغييبها لن يكون مصيره إلا الموت مثله مثل ما سبقه من مؤامرات ولدت ميتة.

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=94251