وجهات نظر

تمخّض الرّد فأنجب مُسيّرة!

علي اسماعيل


إذا كان هذا هو الرد الإسرائيلي، فالنتيجة أن إيران حقّقت نصراً واضحاً وصريحاً في هذه الجولة.

 

أضاءت إيران ليل الشرق الأوسط في ليلة الرد على الغارة الصهيونية التي استهدفت مبنى قنصليتها في دمشق.

ورغم عدم استخدام أسلحة نوعية ومتطورة في الرد، إلا أن كثافة النيران التي أُطلقت من الأراضي الإيرانية نحو «إسرائيل» -برغم علم الجميع وتحديداً مراكز القرار الغربي بالغارة، إذ أعلنت إيران نفسها أنها ستنفذها- لم يستطع الكيان الصهيوني مواجهتها وحده، ما استدعى تشكيل تحالف دولي لعدة ساعات للدفاع عن الكيان شاركت فيه عدة دول غربية بالإضافة إلى المشاركة والاستنفار الكامليْن لكل وحدات الدفاع الجوي الإسرائيلي.هذا في الشكل، أمّا في المضمون، فبالطبع إنّ ضرب الكيان الصهيوني، من قبل جيش يُعدّ من أكبر جيوش المنطقة، هو تطور كبير وله تداعياته. كبير من حيث القرار، فإيران دولة لها مصالحها وجيشها وعلاقاتها الإقليمية وتحالفاتها الدولية. هي دولة بكل ما للكلمة من معنى، ودخولها في أي مواجهة عسكرية يضع المنطقة برمّتها في دائرة الخطر، وبالتالي اتخاذ القرار بالرد العسكري هو، في حد ذاته، تعبيرٌ عن التغيير في شكل المعركة والتحوّل في توازن القوى في المنطقة. وما يثبت هذا التحوّل، هو الردّ الإسرائيلي نفسه الذي وصفه الوزير الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير بـ«السخيف».

 

وحتى هذا الرد السخيف، حسب تعبيره، لم تتبنَه «إسرائيل» الرسمية، رغم التهديد والوعيد من قادة العدو، السياسيين والعسكريين، بضربة قاسية وواضحة وعلنية، على عكس إيران التي أصدر حرسها الثوري بياناً تبنى فيه قصف المواقع العسكرية الصهيونية.

في جانب آخر، تنشط الماكينة الإعلامية الهائلة المسخّرة لإيهام الجماهير بالنتائج الكبيرة التي تحققها «إسرائيل»، إن كان في حربها على غزة، أو لبنان، وحتى في الاشتباك الأخير مع إيران، إضافةً إلى تسخيف العمل المقاوم في غزة وجنوب لبنان والتقليل من أهميته واعتباره غير مجدٍ ويجلب الدمار. أمّا الحملة الأكثر منهجية، فهي تسخيف الرد الإيراني. هنا لنتوقف قليلاً؛ من يسخّف ويستهزئ بالرد الإيراني الذي كان بمئات الصواريخ والطائرات المُسيّرة واستدعى تحالفاً دولياً لصده، نراه اليوم يتحدّث عن قوة الضربة الإسرائيلية لإيران. هذه الضربة التي لا يكاد يتجاوز حجمها طائرتين مُسيّرتين. ربما لو سألت أكثر المتفائلين الإيرانيين عن كيفية الرد الإسرائيلي فلن يتوقع هذا العدد القليل من الطائرات. هذا الرد نفسه، أربك إيران التي هدّدت بالرد الفوري، فلم تصدّق أن يكون الهجوم الصهيوني بهذه السخافة وأنه لا يستحق الرد.

 

إنّ هذه الماكينة الإعلامية تستطيع إيهام العديد من الناس بخطابها ولكن العدو نفسه يعرف الخسارات الاستراتيجية التي يُمنى بها منذ 7 أكتوبر حتى اليوم.

الخسارة الاستراتيجية هي بداية السقوط الوظيفي لإسرائيل كقاعدة للغرب في بلادنا وعجزها الكبير عن ممارسة هذا الدور، لا بل على العكس تتحوّل هذه القاعدة -التي كان الهدف الرئيسي من إنشائها هو حماية المصالح الغربية في بلادنا- إلى قاعدة تحتاج إلى الحماية الدائمة من الغرب عبر جيوشه، وبالتالي بدأت تتحوّل إلى عبء عليه، فمنذ السابع من أكتوبر حتى اليوم، أي في خلال 7 أشهر، احتاجت إسرائيل إلى تدخّل الجيوش الغربية مرّتين لإنقاذها من كوارث حتمية.

 

وهذا هو التهديد والخطر الحقيقي الاستراتيجي؛ أن تتكرّر هذه الحوادث في ظل وضعٍ دوليّ غير مستقر، واقتصاد غربي يتحضّر لأزمات قادمة. الخطر على إسرائيل هو لحظة اقتناع الغرب بأن هذه الدولة أصبحت عبئاً عليه، وأصبحت تكلفة دعمها أعلى من مردودها. فالغرب لم يشكّل دولة لليهود محبةً باليهود وإنصافاً لهم، إنما استثمر في ما تعرّضوا له من اضطهاد في أوروبا بدولة تؤمّن مصالحه في الشرق الأوسط.

 

لقد تغيّرت موازين القوى في المنطقة، قد يعيش البعض حالة نكران، لكنّ الواقع في النهاية سيفرض شروطه فوق رغبات وأوهام الجميع. فإسرائيل التي كانت تضرب شرقاً وغرباً، من دون حسيب أو رقيب، لم تستطع، ورغم تهديداتها الكبيرة، ضرب إيران جدياً، ليتمخّض جبل تهديداتهم عن فأر على شكل مُسيّرة.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=97403