وجهات نظر

سورية تمنح الفرصة للتوبة

رشاد أبو شاور


كتب رشاد أبو شاور في موقع الميادين مقالاً تحت عنوان "سورية تمنح الفرصة للتوبة" جاء فيه:

 

نعم، سورية أمام اختبار جديد، في رحلة معاناتها، هي التي تحمّل شعبها العربي الأصيل معاناة امتدت طيلة 11سنة مفتوحة على احتمالات آلام تضيف إلى ما عاناته في حرب كلّفتها دماً ودموعاً وجهوداً وصبراً دماراً وخراباً فوق الاحتمال، لكنها حتى الآن صمدت صموداً مبهراً أذهل الأعداء الذين دفعوا بمئات ألوف الإرهابيين لتدميرها وتمزيقها شظايا عقاباً لها على تمسّكها بدورها ومسارها ورفعها لراية انتمائها العربي، وتشبّثها بفلسطين القضية ورفضها المساومة عليها، وعالمياً بتوجّهها شرقاً، أي بتحديد حاسم جازم لخيارها السياسي الاستراتيجي في مواجهة الغرب الاستعماري المتوحّش المعادي للشعوب...

 

ضرب الزلزال الرهيب تركيا وسوريا بتاريخ 6 شباط/فبراير الجاري، وأخرجت الأرض أثقالها، كما في القرآن الكريم، وتساءل الناس برعب وذهول: ما لها؟ وحدّثت أخبارها البشر في كل مكان، وأمام الهول تضامنوا مع المنكوبين في تركيا، وامتنعوا بلؤم وعنصرية عن تقديم الدعم لشعب سوريا المنكوب كجيرانه وأشقائه الأتراك. فقانون قيصر الأميركي يترصّد كلّ من يفكّر بتقديم يد العون لسوريا الدولة والشعب، ويخنع له الجبناء الانتهازيون والمنافقون، ولا يرفعون الصوت اعتراضاً على تجبّر وتفرّد أميركا في سن قرارات تفرضها على البشر دولاً وشعوباً من فوق إرادة هيئة الأمم، والشرائع والقوانين، وكأنها ربّ العباد تأمر وتفرض وتعاقب كما يحلو لسدنة البيت الأبيض.

 

سورية المنكوبة بالزلزال تعاني من الحصار الأميركي بقانون قيصر الخانق، وتعاني من سطو أميركي على ثرواتها في شمال شرقها من نفط وغاز تسرقه علناً بقوات احتلال عسكرية، وبعملاء باعوا ضمائرهم وانتماءهم لأرض يفترض أنهم ينتمون إليها، وعميت عيونهم عن رؤية أن عمر الاحتلال الأميركي محدود، وأن الأرض والثروات السورية عائدة لا محالة إلى سوريا الدولة والشعب.

 

سورية المنكوبة بالزلزال المُدمّر، بخسارة ستة آلاف من مواطنيها، حتى اليوم العاشر، وبعشرات ألوف الأبنية التي دُمّرت، وبافتقادها للآلات الثقيلة التي تساعد على رفع الأنقاض، وإخراج الناس من تحت الدمار، ولافتقادها لما يحتاجه المنكوبون من غذاء ودواء وإيواء وعلاج ومستشفيات بعد الخراب الذي أوقعه الإرهابيون طيلة سنوات الحرب في كل مرافقها الصحيّة، تحتاج إلى كل شيء لمساعدتها على تحمّل نكبة الزلزال الذي فجعها بالضحايا البشريّة القابلة للازدياد، ناهيك عن تحمّل تكاليف إعادة بناء ما دمّره الزلزال.

 

نعم، وصلت مساعدات إلى سوريا، ولكنّ سوريا تحتاج إلى رفع الحصار الأميركي عنها، واستعادة ثرواتها في شمال شرقها، وهذا لا يتحقّق بغير رحيل الاحتلال الأميركي، وبعودة المناطق الواقعة تحت هيمنة الإرهابيين في منطقة إدلب الذين يأتمرون بأوامر تركيا...

 

الغرب المنافق وقف مع تركيا في محنتها، رغم خلافاته مع حكّامها، ولكنه يحجب المساعدات عن سوريا، ويشدد الحصار عليها بعنصرية فضحتها معاناة الشعب السوري من خلال هول الزلزال وفواجعه...

 

سورية التي خفّفت عنها المساعدات بعض آلامها تحتاج إلى الكثير الكثير لنجدة شعبها، تحتاج إلى المليارات لإعادة البناء، لإعادة تأهيل البنية التحتية المدمّرة والمخرّبة بفعل حرب الـ11عاماً، تحتاج إلى فتح الحدود معها بالكامل...

 

سورية بمأساة الزلزال تمنح الفرصة للعرب الأثرياء لدعمها مالياً ليعوّضوا عمّا تسبّبوا به من خراب، لا أن يرسلوا لها بعض المساعدات التي هي رمزية لذّر الرماد في العيون ولرفع العتب والحرج.. والتي تأتي بعد أيام من كارثة الزلزال!

 

في بضعة أيام جمع الشعب التركي، وبخاصة الأثرياء، قرابة ثمانية مليارات دولار لإعادة بناء ما دمّره الزلزال.. وهي قابلة للزيادة.

 

الشعب العربي السوري المنهك بعد الحرب المدمّرة على مدى 11 عاماً من أين سيجمع المليارات لإعادة بناء ما دمّرته الحرب.. وما دمّره الزلزال؟!

 

سورية تمنح كل العرب الفرصة ليبرهنوا انتماءهم، وذلك بتقديم العون لها، بالدعم المادي، وبرفض الحصار عليها، وكسره نهائياً، والإسهام الجدي والعملي في إنهاء المأساة التي تحمّلتها وتسبّبت بها دول عربيّة موّلت الإرهاب بمليارات الدولارات الذي أفشلته سوريا بجيشها وشعبها وقيادتها، وبدعم بعض العرب الشرفاء المقاومين...

 

هل ستبادر الجهات العربية الثريّة إلى مدّ اليد لسوريا، وتكفّ عن التآمر عليها، أم ستواصل دورها في تشديد الخناق عليها، رغم فشل كل ما فعلته طيلة سنوات الحرب، وما تقترفه أميركا من حصار على سوريا وخنقها بقانون قيصر والاحتلال المباشر في شمال شرقها ونهب غازها ونفطها؟!

 

سورية ستصمد، والأميركيون سيرحلون مُرغمين، ومن سيحجمون عن الوقوف مع سوريا سيخسرون أنفسهم وسيندمون.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=91983