وجهات نظر

اللقاء المحتمل


كتب حسني محلي في موقع الميادين تحت عنوان "إردوغان والأسد... هل يلتقيان في بودروم؟":

 

في الوقت الذي كان فيه الجميع في الداخل والخارج يناقشون تصريحات وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو المتناقضة بشأن احتمالات المصالحة مع دمشق، فاجأنا الرئيس إردوغان باتصاله برئيس وزراء "إسرائيل"، ليتفق وإياه على "تبادل السفراء والقناصل وتحقيق نقلة نوعية في العلاقة بين البلدين، من أجل أمن المنطقة واستقرارها وسلامها"، وذلك مع الكيان الصهيوني المحتل الذي يقتل الفلسطينيين كل يوم.

 

وجاءت مفاجأة إردوغان الثانية بعد لقائه زيلنسكي في مدينة لفوف (لفيف) غرب أوكرانيا، حيث تحدث عن احتمالات الحوار مع دمشق، وقال: "نعتقد أنه يجب أن تكون هناك خطوات متقدّمة أكثر بمستويات مختلفة. ولا يمكننا ترك الحوار السياسي والدبلوماسية خارج المعادلة"، مناشداً دمشق "كي تفهم جيداً أنه ليس لتركيا أي أطماع في الأراضي السورية".

 

وأما جملته الأخيرة التي قال فيها: "أنا لا يهمني أن أنتصر على الأسد وأهزمه"، فقد أثارت ردود فعل واسعة في أوساط المعارضة التركية وشبكات التواصل الاجتماعي التي نشرت العشرات من خطابات إردوغان السابقة التي كان يقول فيها بعناد وعصبية عكس ذلك.

 

 ومن دون العودة إلى تفاصيل الدور التركي في سورية منذ بداية الأزمة، وهو ما زال مستمراً، فقد كانت "إسرائيل" المستفيد الأكبر من تبعات هذا الدور ونتائجه، وهي ما زالت كذلك. ويفسّر ذلك اتصال الرئيس إردوغان بنظيره الإسرائيلي هرتسوغ، بعد ساعات من تصريحاته الأخيرة حول سورية والأسد، وربما ليشرح له مشاريعه ومخططاته الإقليمية والدولية بعد لقائه الرئيس الأوكراني اليهودي زيلنسكي.

 

ويعرف الجميع أن سورية كانت من دون أدنى شك ضمن أحاديث إردوغان مع هرتسوغ، كما كان ذلك مع لابيد، وصادفت حواراتهما مع إردوغان مقتل واعتقال الفلسطينيين يومياً على أيدي القوات الإسرائيلية، كما هي صادفت القصف الإسرائيلي المتكرر للمواقع السورية.

 

وعودة إلى تصريحاته عن احتمالات المصالحة مع الأسد، يبدو واضحاً أن إردوغان يسعى إلى إفشال مساعي المعارضة لتضييق الحصار عليه في موضوع اللاجئين السوريين، ويعرف الجميع أن إردوغان سيستمر في استخدامهم كورقة مساومة أولاً حتى موعد الانتخابات المقبلة، وثانياً حتى الحل النهائي للأزمة السورية وفق حساباته الخاصة، ولكن في إطار حواراته الإقليمية الجديدة، وبشكل خاص مع الإمارات والسعودية ومصر بل وإيران أيضاً.

 

وشكا إردوغان منها أي إيران في تصريحاته الأخيرة، متّهماً إياها بعدم التجاوب معه في موضوع سورية خلافاً لما هو عليه الوضع مع الرئيس بوتين، على حدّ قوله. فإذا كان إردوغان يرى في اتصالاته المتكررة مع لابيد وهرتسوغ، وسبق لهما أن زارا تركيا، أكثر أهمية من المصالحة مع الرئيس الأسد الذي فتح له ولتركيا أبواب سورية وعبرها دخل المنطقة الغربية، فلن يكون سهلاً عليه أبداً (أن يخطو) أي خطوة عملية وصحيحة على طريق الحوار الإيجابي مع دمشق. وهو ما سيتطلب منه ضمان الرضى، وربما المباركة الإسرائيلية، عن مجمل تحركاته اللاحقة في المنطقة، كما كان عليه الوضع عندما منحته منظمات اللوبي اليهودي في أميركا بداية 2004 وسام الشجاعة السياسية لزيارته "إسرائيل" في الـ 02 من أيار/ مايو 2005، ولقائه المجرم شارون الذي استقبله في القدس ليقول له: "أهلا بك في عاصمة "إسرائيل" التاريخية والأبدية".

 

وفي جميع الحالات، وأياً كانت مبرّرات الرئيس إردوغان وحساباته في تصريحاته الخاصة باحتمالات المصالحة مع الرئيس الأسد، فالتناقضات تفرض نفسها، وإذا (وخاصة إذا) تذكرنا مصالحاته مع حكام الإمارات و"إسرائيل" والسعودية ومصر، لأنها في نهاية المطاف ما زالت في الخندق المعادي لسورية ولو بدرجات متفاوتة.

 

ويعرف الجميع أن إردوغان لن يتردد في استغلال مواقف هؤلاء الحكام والاستفادة منها لتحقيق المزيد من المكاسب التي يريد لها أن تساعده للانتصار على أعدائه في الانتخابات المقبلة. وهو يعرف جيداً أن قضية اللاجئين ما زالت ورقة مهمة في مضايقات المعارضة له ما دام لا ولن يستطيع إعادتهم إلى بلادهم، وعلى الأقل حتى موعد الانتخابات، وستكون في أيار المقبل.

 

ويعرف الجميع أيضاً أنه، أي إردوغان، لا ولن يتخلى عن جميع أوراقه في سورية، لأنه يعرف أن ذلك لن يكون سهلاً أبداً، بسبب علاقاته المتشابكة والمتداخلة مع "النصرة" في إدلب وجوارها، والفصائل المنضوية تحت راية ما يسمّى "الجيش الوطني السوري" الذي تأسّس في أنقرة.

 

وفي جميع الحالات، الموضوع لا يحتاج إلى كل هذا العناء من التصريحات المتناقضة التي يعتقد إردوغان أنها ستساعده على كسب المزيد من الوقت في علاقاته مع الرئيس بوتين، وما كان على إردوغان إن كان جاداً في أحاديثه الأخيرة إلا أن يدعو الأسد إلى زيارة مدينة بودروم السياحية، كما فعل ذلك في الـ 5 من آب/ أغسطس 2008 عندما كان الأسد عائداً من زيارة رسمية لإيران التي كانت وما زالت حليفاً استراتيجياً لسورية، فيما تحوّل إردوغان بين ليلة وضحاها من صديق وأخ عزيز للأسد إلى عدو لدود له، ولمدة 11 عاماً، ومن دون أن يكون واضحاً ما هي محطته التالية في هذه المغامرات التي بدأها منذ أن أصبح رئيساً للوزراء في آذار2003، والمستقبل القريب فيه الكثير من المفاجآت، ولأن ما يهمّ إردوغان هو البقاء في السلطة، وهو مستعد لأن يفعل كل شيء من أجلها.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=87716