خاص- الإعلام تايم

 

لعل مقولة (العالم قرية صغيرة) تثبت نفسها مؤخراً؛ فأزمة جائحة فيروس كورونا المستجد وما تبعها من موجة تضخم عالمي والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا جعلت التأثير يطال معظم اقتصادات الدول في العالم، وإن كان بنسب متفاوتة نتيجة تأثر سلاسل الإمداد في دول شرق آسيا وحوض المتوسط سلباً بهذه الأحداث التي جاءت استكمالاً للآثار السلبية التي عصفت بالاقتصاد العالمي بفعل جائحة كورونا.

 

مجمل هذه الأسباب أدت إلى حصول ارتفاع غير مسبوق في الأسعار العالمية للسلع، وكانت الأسواق الناشئة من أكثر المتأثرين بهذه الأحداث بسبب اعتمادها على مخزونها من الاحتياطي وذلك بخلاف الدول الكبرى؛ الأمر الذي أدى إلى زيادة معدل التضخم، إضافة إلى تقليل توافر السلع الأساسية خاصة القمح والذرة وزيت عباد الشمس باعتبار أن الصراع يجري في روسيا وأوكرانيا المعروفتين بصدارتهما الإنتاج العالمي لهذه المحاصيل الاستراتيجية بسبب خصوبة أراضيهما، واتساع مساحة الأراضي المخصصة لإنتاج هذه المحاصيل حيث تنتج روسيا وأوكرانيا معاً ما يقارب 30 بالمئة من محصول القمح العالمي، وتنتجان معاً أيضاً 19 بالمئة من الذرة ونسباً مرتفعة من محاصيل زراعية أخرى ومشتقاتها الغذائية؛ كزيت عباد الشمس الذي تسهمان في إنتاجه العالمي بنسبة 80 %.. وبالنظر إلى مساحة أراضيها مقارنة بمساحة الأراضي الروسية، تتسم معدلات إنتاجية أوكرانيا من القمح والذرة بجودة عالية بحيث تصل إلى تصدير 13 بالمئة من الذرة و12 بالمئة من القمح المتداولين عالمياً.

 

وشهدت الاقتصادات العربية تأثراً كبيراً بما يجري من أحداث عالمية، وبرزت مبادرات من رجال الأعمال والمسؤولين لاستنباط حلول لهذه الأزمات بالسبل المتاحة والمتوفرة والمناسبة لكل اقتصاد من تلك الاقتصادات، حيث أعلنت جمعية رجال الأعمال المصريين -وهي أقدم منظمة أعمال في مصر- تقدمها بمذكرة بتوصيات أعضائها للحكومة للتعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية والعمل على تخفيف حدة آثارها على الاقتصاد المصري في القطاعات الاقتصادية، وذكر رجال الأعمال التداعيات السلبية للأحداث العالمية التي انعكست على الاقتصاد المصري، وكان من أبرزها خروج الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة من أدوات الدين الحكومية ما خفض السيولة الدولارية في الأسواق، وارتفاع أسعار السلع الأساسية المستوردة ما أدى إلى زيادة معدل التضخم، وانخفاض أعداد السياحة نتيجة توقف السوقين الروسية والأوكرانية، وهما من أهم الأسواق المصدرة للسياحة المصرية.. وأجمع رجال الأعمال على ضرورة جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة للحفاظ على الاحتياطي النقدي الأجنبي، مع منح تسهيلات للمصانع لزيادة إنتاجها، وتعميق المكون المحلي.

 

وأكد رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين ضرورة جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات الإنتاجية من خلال منح حوافز حقيقية وسهولة في إصدار التراخيص وثبات التشريعات ما يؤدي إلى تدفق الأموال من الاستثمارات الأجنبية -ومصر في أمس الحاجة إليها لزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي- واقترح طرح الأراضي المخصصة لأي مشروع إنتاجي بنظام حق الانتفاع وليس التمليك بهدف تشجيع المستثمرين الأجانب لسرعة إقامة المشروعات، في ظل ارتفاع سعر الأراضي ما يمثل عائقاً أمام الشركات الأجنبية.

 

وكان البنك المصري المركزي قد رفع سعر الفائدة بنسبة 1%، وخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار والذي سجل متوسط 18.30 جنيه للشراء، و18.43 للبيع طبقًا لأسعار صرف البنك المركزي، تزامناً مع الأحداث.

 

ولكن جذب الاستثمارات الأجنبية في هذه الظروف العالمية ليس مسألة سهلة التحقيق، علماً أنه في حال تحققها يمكن أن تشكل الحل الأمثل والأرخص في ظل هذه الأزمة في الوقت الحالي، لتجنب تداعيات الأحداث العالمية، ويمكن أن تساهم في إنشاء احتياطي نقدي أجنبي قوي يسهم في خفض تكلفة المنتجات والسلع الأساسية للمواطنين.. وأشار البنك إلى صعوبة جذب الاستثمارات الأجنبية في الوقت الحالي في ظل ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية والتوترات السياسية، ولذا تبقى الاستثمارات العربية هي الأقرب خاصة مع خفض سعر الجنيه.

 

إن الحكومة المصرية تصدت للتداعيات الناشئة عن الأحداث العالمية من خلال حزمة الإجراءات التي اتخذتها بالتعاون مع البنك المركزي، علماً أن المصانع المصرية تحاول تخفيف أثر تداعيات الأزمة على المستهلكين من منطلق مسؤوليتها المجتمعية، وذلك عبر تخفيض هوامش الربحية لتوفير المنتجات للمستهلك بأسعار مناسبة رغم الارتفاع الكبير في التكلفة.

 

متى نشهد تحركات فعالة  للتجارفي أسواقنا تكون على مستوى الطموحات وتكون كفيلة بتخفيف معاناة المواطنين الذين بلغوا حدودهم القصوى من تحمل الأزمات؟ ومتى يتنازلون عن جزء صغير من أرباحهم ويكونون جزءاً من حركة دعم صمود هذا المواطن؟