الاعلام تايم - الوطن
جلست أمام التلفاز مستجمعةً كلّ قواي وذاكرتي عن الماضي والحاضر ومحاولة أن أستوعب بعمق ما أراه وما أسمعه أيضاً رغم كلّ ما يعترضني في الوقت ذاته من مشاعر الحزن والقلق على شعب حمل مفاتيح دياره في صدره لعقود ماضية رافضاً أن يتخلّى عن أرضه وتاريخه وحقوقه في العودة وبناء دولته. جلست أمام التلفاز وكأنّي أراقب مسرحية استعدّ أشخاصها لسهرة مسلّية حيث يشعر الجميع بالنشوة والانتصار مع حرصهم على إيصال هذه المشاعر إلى الآخرين وإثارة جوّ من الفرح والإنجاز التاريخي وكأنّ الجميع مستعدّون جمهوراً وممثلين حيث كان التصفيق وقوفاً مستمرّاً طوال فترة العرض، وكان الشريك الأساسي مبتسماً ومصفّقاً ويكاد يكون غير مصدّق للحدث الذي هو جزء منه. كان استعراضاً للقوة على حساب ضعف وتشتت واستهانة بكلّ التاريخ والقرارات والشرعة الدولية والحقوق والمنطق. لقد كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعبّر عن أننا نحن في هذه القاعة أناس أقوياء، وأخذ يذكر بعض الأسماء التي عملت على هذه الصفقة التي بذلت جهوداً حثيثة لإيصالها إلى هذه النقطة المهمة والتاريخ المهم من وجهة نظره، ولم يغفل أبداً أن يذكِّر شريكه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بالقرارات الجريئة التي اتخذها لمصلحته ومصلحة كيانه، وأهمها انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، واغتياله للقائد قاسم سليماني، وفي كلتا الحالتين أمسك بيدي شريكه نتنياهو، ووقف الحضور مصفّقين لحجم الإنجازين.
للزيادة في تسلية الحضور طمأنهم ترامب أن التردّد الذي كان يعاني منه الرؤساء الآخرون لا مبرّر له على الإطلاق، وقد اكتشف ذلك بغاية البساطة؛ إذ إنه اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولم يحدث شيء، واعترف بضمّ إسرائيل للجولان، وبشرعية المستوطنات الإسرائيلية ولم يحدث شيء، واكتشف أن كلّ ما كان يسمّى بالضغوط التي تمارس على رؤساء الولايات المتحدة لا قيمة لها، وأنه ببساطة اتخذ قراره وأخبر كلّ من حاول الاتصال به أن الوقت قد فات، وأن لا شيء يمكن تغييره اليوم. ولم يفته أن يذكر أن لديه فريقاً من الخبراء الذين سيضعون خريطة طريق لتنفيذ كلّ ما تمّ التوصل إليه من قرارات، وأنّ هؤلاء سيضعون المهل الزمنية مع برامج استثمارية مطمئناً صديقه نتنياهو أن «جيرانه» سيبدؤون الاستثمار بمشاريعه القادمة بمليارات الدولارات، وخاصة أنّه أكد وأعاد التأكيد أن إسرائيل ستكون واحة للديمقراطية والازدهار.
لقد أمضى الكثيرون عقوداً وهم يلعنون الظلام، وفي الوقت ذاته يشهدون على ضياع الفرص يوماً بعد يوم، وقضم الأراضي، وتهجير المسلمين والمسيحيين من ديارهم المقدّسة، على حين يعاني الأسرى أشدّ المعاناة في سجون الاحتلال، ويدفع الكثير من المؤمنين بقضيتهم ثمناً باهظاً قد يكون حياتهم، ولكنهم يدفعونه فرادى وليس كمجموعات عمل تخطّط وترى وتتابع، ويبقى العمل والنهج مستمراً مهما ارتقى من القادة كشهداء وجرحى وسجناء. أي إن العمل بقي إفرادياً أحياناً، ومزاجياً أحياناً أخرى، ولم يصل إلى مرحلة توحيد الجهود؛ كلّ الجهود الداخلية والعربية والإقليمية والدولية، لمعالجة وضع محقّ لا يمكن أن يتنكّر له صاحب منطق في العالم لو أنه تمّ استخدام الأدوات الكفيلة باحترام واستعادة هذا الحقّ.
تاريخ من المكابرة والقفز فوق الوقائع وعدم وضع الأولويات في ترتيبها الصحيح، والاعتماد على لغة التخدير وعدم الصدق مع الذات والآخرين يجب أن يتوقف، فقد بلغ السيل الزُبى، وأصبح الخطر داهماً وحقيقياً ولا مجال لدفعه إلا بتبنّي أسلوب مغاير تماماً واجتراح أدوات ترقى إلى حجم المعركة المصيرية، والتي هي واقع اليوم أكثر من أي وقت مضى، والتي على نتائجها يعتمد مستقبل الأرض والأوطان والأجيال إمّا لهم وإمّا عليهم، والقول الفصل هو للعمل الجادّ الصادق والمخلص والهادف فهو دون شكّ الطريق الوحيد إلى النجاة ولا طريق سواه. |
||||||||
|