وجهات نظر

سورية وروسيا وهندسة الدستور السوري

الدكتور حسن مرهج


الاعلام تايم - رأي اليوم


الواضح أن روسيا ومن خلال البوابة السورية، باتت معنية بهندسة الحل السوري، لكن وفق تطلعات دمشق. فالقدرة التي باتت تتمتع بها روسيا على مستوى الشرق الأوسط، تُهيئ لها بُعدا استراتيجياً للتحكم بكل مفاصل القرار الشرق أوسطي، وترتكز أيضاً في الورقة السورية على تفويض مباشر من دمشق، خاصة أن الدولة السورية ترى في موسكو شريكاً استراتيجياً، انطلاقا من مصلحة دمشق، في نسج علاقاتها في ظل حالة الاصطفاف الإقليمي والدولي، فدمشق و موسكو وفي ظل الحرب على سوريا، باتوا القوة العسكرية الوحيدة في الميدان، وهذا الأمر يؤسس لمعادلة سياسية وفق قواعد المنتصر، وبذلك تم قطع الطريق أمام كل المحاولات التي دأبت قوى العدوان على سوريا، بمحاولة مصادرة القرار السياسي للدولة السورية، من هنا بات واضحاً بأن موسكو كلاعب محوري في سوريا، تضع أهداف دمشق مُنطلقاً لأي قرار يُمهد لتسوية سياسية في سورية.


ضمن ذلك، الواضح أن جُزئية الدستور السوري أُريد لها أن تكون نقطة نظام ضد الدولة السورية، لكن مُعطيات الميدان أسست لما هو أبعد من صياغة دستور جديد، أو تعديل الدستور الحالي في سوريا. في كلا الحالتين فإن دمشق تمكنت وعبر سياستها الذكية، من احتواء مُجمل التعقيدات و تفكيكها سياسياً، والذهاب إلى جنيف بُغية مناقشة الدستور، وبذلك تمكنت دمشق مُجدداً من تسجيل انتصار سياسي، سيكون بلا شك بداية لتحقيق انتصار ذو ابعاد استراتيجية، فبالتوازي مع انتصارات الميدان، وتشبيكها سياسياً، يبدو أن دمشق تنسج معادلة ستُطيح بكل ما تم التخطيط له أمريكياً، ليكون مُعطلاً لأي بادرة حل سياسي. ولعل جولات التفاوض التي قادتها الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية، فشلت في إحراز تقدم على صعيد حل الأزمة السورية، جراء تباين وجهات النظر بين مُجمل الأطراف المؤثرة والفاعلة في الشأن السوري، وخصوصاً إزاء مصير الرئيس بشار الأسد، وكذلك جراء التعقيدات الأمريكية.


عطفاً على ما تم إنجازه عسكرياً، فقد تمكنت دمشق وموسكو من سحب كل أوراق القوة من الفصائل الإرهابية وداعميهم، حتى أن “المعارضة السورية” تُدرك بأن قوتها باتت مُشتتة، وفقدت الداعمين الدوليين، وبات وجودها في سوريا مؤطراً ضمن جُغرافية، لن تطول بعودتها إلى الدولة السورية، من هنا تُدرك هذه المعارضة بأن اسس الحل السوري بات في يد دمشق وموسكو، وعليه فإن الميدان بوصفه مؤسساً لأي معادلات سياسية، تم التوافق على انشاء لجنة مناقشة الدستور، وانطلقت أعمالها يوم الاربعاء الفائت في جنيف.


دمشق و موسكو يبذلون قُصارى جهدهم لإنجاح عمل اللجنة الدستورية، ولعل الانتقال من مرحلة صياغة الدستور أو تعديل بعض بنوده، إلى مرحلة الشروع الفعلي بالحل السياسي في سوريا، تُمثل تحديا للخطة الامريكية التي انطلقت أيضاً من جنيف، والتي باتت بُحكم المُنجزات السورية سياسياً وعسكرياً، من الماضي. فقد أكد الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة بثتها قناة الإخبارية السورية، أن “كل ما يحصل هو جزء من سوتشي ومرجعيته هي سوتشي”، موضحاً أن تمثيل الأمم المتحدة “يعطيها بعداً أممياً وهذا كان ضرورياً، ولكن هذا لا يعني أن تدخل جنيف على سوتشي. جنيف غير موجودة”،.

 

وعليه فقد بات واضحاً أن دمشق و موسكو يُهندسون الحل السوري واللجنة الدستورية السورية، وفق مبدأ أن شرعية دمشق تُعد مُنطلقاً لأي خارطة طريق، ولا يُمكن بأي حال من الأحوال تجاوز سيادة دمشق.


في جانب أخر، ورغم المناخ الإيجابي في جنيف لجهة اللجنة الدستورية، والذي جاء عبر احتواء دمشق لكافة الأطياف السورية، لكن لا تزال الساحة السورية تواجه تعقيدات قد تنعكس على مسار هذه اللجنة، حيث أن قضية الفصائل الإرهابية في مدينة إدلب لا تزال حتى اللحظة دون حلول جوهرية، خاصة أن تركيا تُقدم الدعم بأشكاله كافة لهذه الفصائل، كما إن وجود قوات عسكرية تابعة لدول أجنبية في سوريا والتي يعتبرها الكثيرون بأنها قوات محتلة هو في حدّ ذاته عامل من شأنه التأثير بشدة على الاتفاقيات المتعلقة بعملية صياغة الدستور السوري الجديد. في هذا السياق أكد الرئيس الأسد أن “سورية لم تقدم أي تنازلات فيما يتعلق بتشكيل لجنة مناقشة الدستور وما يهمنا أن أي شيء ينتج عن لقاءاتها ويتوافق مع المصلحة الوطنية حتى لو كان دستوراً جديداً سنوافق عليه وإذا كان تعديلاً للدستور ولو بنداً واحداً ويتعارض مع مصلحة الوطن فسنقف ضده ولن نسير به”.


وبصرف النظر عن ما سبق، الواضح أن دمشق تحاول حلحلة الملفات المعقدة كلاً على حدة، وبمساعدة حلفاؤها، هذا الأمر ترجمه الأسد بقوله أن “الاتفاق الروسي التركي بشأن الشمال السوري مؤقت وهو يلجم الجموح التركي باتجاه تحقيق المزيد من الضرر عبر احتلال المزيد من الأراضي السورية وقطع الطريق على الأمريكي ومن هذا الجانب فالاتفاق خطوة إيجابية لا تحقق كل شيء لكنها تخفف الأضرار وتهيئ الطريق لتحرير المنطقة في القريب العاجل مشيراً إلى أن التركي هو وكيل الأمريكي في الحرب وعندما لا يخرج بكل الوسائل فلن يكون هناك خيار سوى الحرب”. وعليه فإن دمشق وموسكو سائرتان في هندسة الحل السياسي في سوريا، وتعطيل كافة المحاولات الرامية إلى إطالة أمد الحرب على سوريا، وتبقى جُزئية اللجنة الدستورية ونتائج مباحثاتها، تفصيلاً في سياق الحل على سوريا، لكن كل هذا لن يكون إلا بتوقيت دمشق.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=65309