وجهات نظر

أميركا الديكتاتور العالمي

د. يوسف جاد الحق


الإعلام تايم - الوطن

 

 

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 لم يعرف العالم حرباً، إلا وكانت وراءها الولايات المتحدة الأميركية، على نحو أو آخر، مباشرة أو بالواسطة والوكلاء والعملاء، وما أكثر وأسهل ما جيَّشت من هؤلاء، وقبل أن نذهب بعيداً لا بد من التذكير بأن الحرب العالمية تلك أنهتها أميركا بقنبلتين نوويتين فوق مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين، أوقعتا من الضحايا البشرية ما ينوف على المئتي ألف إنسان، إضافة إلى محو المدينتين عن وجه الأرض، وهكذا تحققت «الديمقراطية الأميركية» بالمساواة في الموت بين سائر من قضوا نحبهم يومئذ.

 

الحرب الكورية كانت البداية في أوائل الخمسينيات، بمباركة من هيئة الأمم المتحدة الوليدة، وقد أودت هذه الحرب بحياة آلاف مؤلفة من أبناء كوريا التي قسمتها أميركا فجعلت منها دولتين، شمالية وجنوبية، يفصل بينهما خط عرض وهمي تحت رقم 38 وفد فكر آنذاك الجنرال ماك آرثر بضرب كوريا الديمقراطية بالقنابل الذرية لولا أن الرئيس الأميركي هاري ترومان لم يقره على ذلك.

 

ثم جاءت حرب فيتنام التي استمرت زمناً طويلاً والتي بدأها الرئيس ريتشارد نيكسون تحت ذريعة واهية، أحلَّت هذه الحرب بفيتنام أرضاً وشعباً ما لا سبيل لوصفه أو إحصائه، وإن كانت في نهايتها أذلّت أميركا وأفقدتها الكثير من هيبتها الموهومة المصطنعة.

 

أما عما تلا ذلك من حروب، حظيت منها منطقتنا بنصيب وافر، فحدث ولا حرج، منها حرب أميركا على العراق في عهدي الرئيسين جورج بوش الأب والابن. لم تبق تلك الحرب ولم تذر، بحيث لم يسلم من ويلاتها وعقابيلها أحد، سواء في الأرواح أو في البنيان والعمران، بل إنها لاحقت العلماء العراقيين، ذوي الاختصاص في أي حقل من حقول المعرفة والعلم كي لا يكون لأي من هؤلاء دور في إعادة إعمار العراق وتنميته فيما بعد، بل إنها كانت تفاخر بأنها سوف تعيد العراق إلى مئات السنين إلى الوراء! وما زال العراق يعاني آثار الحروب الأميركية العدوانية عليه، بل إنها لم تتورع عن استخدام سلاح الحصار والتجويع بحيث كان عدد الضحايا بالملايين، وقد سئلت وزيرة خارجية أميركا مادلين أولبرايت يومئذ عما إذا كانت مصلحة أميركا اقتضت موت تلك الأعداد الهائلة من الأطفال؟ فأجابت بجرأة واستهتار بأنها تستحق ذلك! ولا ينبغي لنا أن ننسى أنها استخدمت في حروبها تلك على العراق قنابل «اليورانيوم المخضب» ثم تأتي اليوم لتزعم بأنها تدين استخدام الأسلحة التي تعكس عليها صفة أنها «محرمة دولياً» كادعائها بأن سورية تستخدمها باسم «الحرب الكيميائية» هنا أو هناك. وقد ثبت طبعاً أن هذه ادعاءات مزعومة كاذبة غايتها تبرير عدوان أميركي على سورية.

 

وكما حدث في العراق، حدث ويحدث يومياً في أماكن أخرى من منطقتنا، والإسرائيليون، شركاء أميركا في الإرهاب والإجرام، يعيثون فيها فساداً، قتلاً وتدميراً بالسلاح الأميركي، والدعم في المحافل الدولية على حساب شعبنا ووطننا.

 

وإذا ما وصلنا إلى أيامنا الراهنة، علماً بأننا نقفز عن الكثير مما ارتكبته أميركا في سائر أرجاء الأرض لضيق المجال، وجدناها في حرب ضروس على أفغانستان، بعد انهيار برجي نيويورك في 11 أيلول 2001، متناسية استخدامها في حرب على الاتحاد السوفييتي قبل ذلك، ثم موقفها من سورية في حرب خفية مبرمجة لوقوفها مع القضية الفلسطينية، وتمسكها بمبادئها الثابتة دفاعاً عن فلسطين والعروبة، كل الوقت الذي مضى والراهن، ثم عندما جاء ما سموه «الربيع العربي»، المؤامرة الكبرى على العرب، باستثناء الأعراب في الطرف الآخر، وما جيشته أميركا وإسرائيل وبعض دول الغرب وبعض الأعراب من حرب لم يشهد التاريخ مثيلاً لها من قبل، جاءت بالإرهابيين من كل مكان في العالم، داعش وجبهة النصرة تحت أسماء وعناوين كثيرة أخرى.

 

دمرت أميركا تحت مسمى «الربيع العربي» ليبيا والصومال ولم تسلم من إرهابها تونس ومصر واليمن أخيراً لا آخراً، وكان عراب هذا «الربيع القاتل» يهودي فرنسي يدعى بيار هنري ليفي.

 

لو أردنا المضي في تعداد المآسي والكوارث التي سببتها أميركا لكثير من الشعوب والدول، سواء في العالم كله، أو فيما يخصنا عرباً وفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين، لما وسعتنا مجلدات ليس هنا مكانها بطبيعة الحال، وهي على الرغم من كل ذلك لا تخجل، حتى الآن، من الزعم بأنها دولة الديمقراطية، والحرية، والعدالة الاجتماعية، وراعية الإنسان وحقوقه، وما إلى ذلك من ادعاءات باطلة كاذبة، يروج لها إعلامها الصهيوني في أميركا الذي تهيمن عليه شركات، ومؤسسات اليهودية العالمية.

 

غير أن العالم أصبح اليوم على دراية ومعرفة بالكثير عن حقيقة أميركا التي استطاعت إخفاءها طويلاً، بيد أنها أمست مكشوفة تماماً، ولن تستطيع مواصلة سياسة الخديعة والتضليل والادعاء والافتراء بعد الآن أو هذا ما نأمله ونتمناه.

 

كما أن العالم كله يعرف أن أميركا تقوم في سياستها على خلق عدو، حتى لو لم يكن هناك عدو، ومن ثم فهي تختلق الأزمات وتوقع العقوبات، وتدين وتتهم دونما وازع من ضمير أو أخلاق، العالم يعرف أيضاً أن أميركا قامت على آثار سكان أميركا الأصليين الذين عملت على إبادتهم لكي تخلص لهم الأراضي الأميركية من دون أهلها، وهو ما تحاول فعله إسرائيل اليوم، في محاولاتها للتخلص من الفلسطينيين بكل وسيلة لا أخلاقية، ولا إنسانية ممكنة، بالقتل، بالحصار، بالتشديد والتهجير، لكي تكون لهم دولتهم الحلم «الدولة اليهودية» الخالصة، القائمة على مبدأ مزيف وعقيدة بائدة تقول إنهم «شعب الله المختار»، قمة العنصرية في عالمنا المعاصر.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=59481