وجهات نظر

ولي العهد السعودي في باكستان: لماذا التهويل؟

فراس عزيز ديب


الإعلام تايم - الوطن

 

 

منذُ تموزَ الماضي عندما أعلن رسمياً انتصارَ زعيمِ حركة الإنصاف عمران خان بالانتخابات التشريعية في باكستان، غصَّت الصحف والمواقع العربية بالمقالاتِ التي تتحدث عن هذا الإنجاز، تحديداً أن الحزب الجديد في الحياة السياسية عملياً أطاحَ بالأحزاب التقليدية التي احتكرت الحياة السياسية في باكستان طوال عقودٍ خلت مثل «حزب الشعب».

 

كانَ لافتاً يومها أن معظمَ التحليلات التي تناولت انتصارِ خان، احتسبتهُ نقطة إضافية تُسجَّل لإيران في مباراةِ النفوذ المفتوحة بينها وبين السعودية التي بدت وكأنها خسرت ابنها البار «نواز شريف»، وبالتالي نفوذها في دولةٍ هامة ليس لتصنيفها كدولةٍ نوويةٍ فحسب، بل لتأثيرها عبر مساحتها الشاسعة وتنوعها الديموغرافي بالعديدِ من الملفاتِ الحساسةِ في المنطقة عموماً.

 

لكن في السياق العام كل شيٍء اختلف منذ أن تابعت وسائل الإعلام تغطيةَ الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى إسلام أباد ولقائهِ برئيس الوزراء عمران خان، ليعود الحديث عن المستفيد والخاسر من وصولِ حزب الإنصاف إلى السلطة في باكستان، فهناكَ من شنّ هجوماً على خان لافتراضِ أنه اشترى الاستثمارات السعودية التي تم الاتفاق عليها بمكاسب سيحققها السعودي في إيران قد تصل مثلاً لدرجةِ حدوثَ تواطؤٍ باكستاني لتمرير عناصرِ إرهابية نحو الداخل الإيراني، أو حتى زج باكستان نفسها بمواجهةٍ مع إيران، أو مثلاً النظر للخطوة السعودية كمحاولةٍ لإحكامِ الطوق «المذهبي» حول إيران وتعميقَ إمكانيةِ عزلها وغيرها من الافتراضات التي لا تزال للأسف تهرب من الواقع العربي المأزوم والمتشرذم، وصولاً لكيلِ الاتهامات للآخرين والمحاضرةِ بهم بأصولِ العلاقاتِ الدولية وحسن الجوار، وعليه يبدو من المنطقي عملياً أن نجيبَ على تساؤلينِ هامَّين لكي تتضح لنا أبعاد تلك الزيارة والأهم، نتائجها:

 

أولاً: هل الزيارة ظاهرها اقتصادي، وباطنها تنسيقٌ أمني ضد إيران؟

في السياق التاريخي لا تبدو العلاقات السعودية الباكستانية مستجدة أو وليدةَ الأمس، هي تعود لعقودٍ مضت تعاطت فيها السعودية عملياً مع مختلف التيارات التي حكمت باكستان، حتى النفوذ المالي السعودي هناك ليسَ مستجِداً فهناك مثلاً من يعترف في باكستان نفسها أن القنبلة النووية الباكستانية مولتها السعودية بمعزلٍ عن الأسباب التي دفعتها لذلك، كما أن العديد من التقارير الغربية تحدثت عن وجود برنامج نووي سعودي بإشراف علماء باكستانيين.

أما في السياق العسكري فتاريخ العلاقات العسكرية بين باكستان والسعودية يعود لأكثرَ من خمسين عاماً، توجها توقيع بروتوكول التعاون في العام 1982 والذي نصَّ صراحةً على إرسال الجيش الباكستاني لمدربين لتدريبِ عناصر الجيش السعودي، وهو ما يفسر الوجود المستمر للعسكريين الباكستانيين في السعودية، وليس كما يقول البعض بأن وجودهم مرتبط بالحرب على اليمن.

هذه المقاربة تفيدنا بالوصول لنتيجة منطقية أن باكستان لو كانت عملياً بصدد التواطؤ مع السعودية لضرب الأمن الإيراني فإن الفرص كانت متاحة في السابق بطريقةٍ أكثر واقعية، من بينها مثلاً فترات حُكم نواز شريف والذي يُعتبر الفتى المدلل للسعوديين وهم الذين احتضنوهُ بعد نفيهِ، تحديداً تلك الفترة الأخيرة التي امتدت بين الأعوام 2013 و2017 يومها كان هناكَ ارتفاعاً شديدَ اللهجة في التصعيدِ بين السعودية وإيران لدرجاتٍ غيرِ مسبوقة. الأمر لا يقف عند هذا الحد بل إن البرلمان الباكستاني وخلال هذه الفترة رفضَ بشكلٍ قاطعٍ مشاركةَ قواتهِ في ما يسمى «التحالف الإسلامي في الحرب على اليمن»، معتبراً أن الدخول بهكذا معارك وتحالفات إقليمية من أجل مكاسب آنية أو شخصية هو أمرٌ مرفوض، وكان يومها رأس حربة الرافضين لذلك هي حركة الإنصاف التي يقودها عمران خان، والأهمّ من كلِّ ذلك أن عمليةَ الربط إعلامياً بين زيارةِ ابن سلمان إلى الباكستان وإمكانية تحويل هذه الدولة كمنصة لضرب إيران تبدو وكأنها إساءةٌ للشعبِ الباكستاني نفسهِ، وتحويلهِ إلى «قاتلٍ مأجور» عند هذا وذاك وهو الذي كانت له مواقفَ متوازنةٍ في السابق بهذا الخصوص.

 

ثانياً: هل يمكن للزيارة أن تكونَ لبنةً أولى لتهدئةِ الرؤوس الحامية؟

تعلمنا التجارب السابقة أن السعودية ليس لديها ما تقدّمهُ أكثر من المال والوهابية وبحدٍّ أدنى الوساطات، وواقع الحال يقول إن السعي السعودي لنشر الوهابية في باكستان يبدو تحصيلَ حاصل، تحديداً في دولةٍ لا ينقصها أساساً قوميات ولا مذاهب وهي على تماسٍ مباشرٍ بأحد أسوأ خزانات الإرهاب في العالم الجارة أفغانستان.

أما بما يتعلق بالموضوع المالي فلا بد من التعاطي معهُ بفرضيتين، الأولى السعي السعودي لتوظيف الاستثمارات في باكستان كوديعةٍ لما ستقدمه باكستان من خدماتٍ لوجستيةٍ لضرب إيران من تحت الحزام، وبتجردٍ فإن هذه الفرضية تبدو ضعيفة، وبمعنى آخر: قد نتفق أو لا نتفق مع فكرةِ أن الهجوم الأخير والذي استهدف قوات الحرس الثوري الإيراني في مقاطعة سيستان بلوشستان تورطت فيهِ السعودية بطريقةٍ ما، لكننا حكماً نكاد نجزم أن لا مصلحة باكستانية رسمية بالتورط في ذلك، لا من أجل الاستثمارات ولا من أجل إطلاق سراح أكثر من ألفي سجين باكستاني في السجون السعودية، فالأطراف السياسية في هذا البلد يعرفون تماماً التركيبة المجتمعية لدولتهم ولا يمكن لهم تصور إشعال النار في منزل الجار وبقاؤهم في مأمنٍ منها.

 

أما إن كانت هذه الرغبة مبنية على فرضية سعي خان لإنعاش اقتصاد بلاده المتهالك، فالأمر يبدو طبيعياً تحديداً أن هذا الأمر ليس مرتبطاً بباكستان فحسب فهو ارتبط كذلك بالكثير من الدول التي تتمتع، كما ترى نفسها، بالكثير من العراقة السياسية، ألم تصبح باريس مقاطعة قطرية، هل حمى الرئيس الأميركي دونالد ترامب السعودية في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي لإعجابه بابن سلمان مثلاً!

 

أما في موضوعِ الوساطات فإن الجولة التي قام بها ولي العهد السعودي قد حملتهُ إلى الهند بعد باكستان، هذا ما يدفعنا للقول إن رئيس الوزراء الباكستاني ربما يعطي قليلاً من المدّ السياسي لولي العهد السعودي للقيام بوساطةٍ ما بين الجارين اللدودين وسط الاتهامات المتبادلة والمتكررة لكِلا الدولتين النوويتين بدعم كل منهما للتنظيمات الإرهابية.

 

لكن في المقابل قد يكون الثمن وساطة في الجهة المقابلة يقودها عمران خان بين إيران والسعودية فهل يبدو هذا الأمر ممكناً؟

 

إن وضعية خان اليوم هي حالة طبيعية لكل الواصلين إلى السلطة من خارج السياق التقليدي لها، هذا الأمر قد يدفع حتى بالأصدقاء التقليديين للشك والانكفاء، فالصين مثلاً ترى خان من خلال استمرارية استثماراتها وعدم عرقلتها، أما النظام التركي فلا يبدو أنه ينسى دعوات حزب الإنصاف لمقاطعة زيارات رئيس النظام التركي إلى إسلام أباد وقد يرى في سلوكهِ تجاهَ زيارة ابن سلمان تطوراً خطيراً وكذلك الإيراني، لكن في المقابل علينا الاعتراف بأن سياسيين على شاكلةِ عمران خان قد يكونون متحررين نوعاً ما من المواقف المسبقة وقد يتمتعون بليونةٍ في التعاطي مع الأطراف المتخاصمة بما فيها كسب احترامهم.

 

في الخلاصة: يُقال إن فاطمة بوتو حفيدة ذو الفقار بوتو، بدأت قبل سنوات بتأريخِ فواجع العائلة السياسية الباكستانية العريقة، ربما أن فواجعَ هذه العائلة صورة مصغرة عن فواجع ليس باكستان فحسب بل فواجعنا في هذا الشرق البائس، فواجع لا تزال تلاحقنا هنا وهناك أهمها السواد الذي ننظر إليه، وبمعنى آخر: دعكم من ربطِ كل حدثٍ بحربٍ ما، فمن المفيد النظر للتهديدات المتبادلة بين كل الأطراف على أنها نوعٌ من أنواع اللازمة السياسية لإثبات فرط القوة، وبدل الترويج للحرب تعالوا نتذكر أن لا مستحيل في السياسة، نحن أمام منطقةٍ تبدو وكأنها تعيش فوقَ برميلِ بارود لا نعرف متى ينفجر، لكن اليوم أُضيف لبرميل البارود هذا معادلة نووية جديدة تتمثل بدخولِ باكستان على الخط، وإن كنا لا نملك القدرة على التفاؤل بعدم فتح صراعٍ جديد في المنطقة، فعلينا عملياً ألا نُشيع التشاؤم بأن معركة جديدة قادمة في هذه المنطقة، وهل تحتمِل هذه المنطقة في الأساس المزيدَ من الصراعات؟

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=58919