وجهات نظر

الإصــلاح الإداري ومكـافــحــة الفسـاد ..

د. م. بدر أحمد


لا يمكن علاج ظاهرة الفساد ومحاصرتها والقضاء عليها بدون اعتماد استراتيجية متعددة الجوانب، وأي استراتيجية لاتأخذ بعين الاعتبار الأسباب التي أدت وساعدت على نمو وتفشي ظاهرة الفساد والآليات التي تساعد على إعادة إنتاجه، لن تكون استراتيجية ناجحة ، ومحاربة الفساد تتطلب وجود إرادة سياسية حقيقية .
ويضعف الفساد الجهود المبذولة للحد من الفقر وهو ضريبة غير معلنة على الاقتصاد والأعمال والمواطن ، وبالتالي يدفع المواطن الكلف الناتجة عنها.
ولئن كان الفساد وباءً قديماً في الدول الكبيرة والصغيرة .. الغنية والفقيرة فهو بداية أزمة دولية وقد باشرت كل الجهات المعنية على مستوى العالم في مكافحته، من الأمم المتحدة  التي تصدر منذ التسعينيات القرار تلو القرار بشأن إجراءات مقاومة الفساد، كما سمّاه البنك الدولي سرطان الفساد الذي قضى على 7% من الاقتصاد العالمي سنوياً أي ما يقدر بحوالي 2.3 تريليون دولار.
وصندوق النقد الدولي اتخذ موقفاً حاسماً من الدول التي ينتشر الفساد فيها وطرح مجالين رئيسيين للمساهمة في مكافحته:
الأول : في تطوير إدارة الموارد البشرية العامة ويشمل إصلاح الخزينة ومديريات الضرائب وأسس إعداد الموازنة وإجراءات نظم المحاسبة والتدقيق.
الثاني : خلق بيئة اقتصادية مستقرة وشفافة وبيئة أعمال نظامية تشمل تطوير القوانين المتعلقة بالضرائب والأعمال التجارية.
أما منظمة التجارة الدولية فقد أنشأت وحدة عمل خاصة لمراقبة الشفافية في التبادلات الحكومية بالدول الأعضاء بهدف القيام بدراسة عن الممارسات الحكومية بغرض صياغة المواد الأساسية لاتفاقية حول الفساد.
ولمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جهود تعتبر من أهم وأشمل المبادرات المبذولة لمكافحة الفساد.
وكذلك كل من الاتحاد الأوروبي ومنظمة الدول الأمريكية ومنتدى دافوس ومنظمة الشفافية الدولية.
وبالطرف المقابل هناك مشاريع أمريكية ومؤسسات من الدول الصناعية تعد سنوياً موازنات بمليارات الدولارات خاصة لنشر الفساد في الدول النامية على المستويات السياسية والمالية والأخلاقية .. إضافة لما تقوم به من إنشاء وإحداث قوى معارضة خارج أراضي الدول النامية تعمل تحت سيادتها وسياستها وتعقد لها الاجتماعات بغية إشاعة الفوضى والخلل وبقاء هذه الدول النامية تحت السيطرة بكامل مواردها وأسواقها والتدخل في شؤونها الداخلية والخارجية.
محاربة الفساد تتجلى بالإصلاح الإداري والتطوير والتحديث ...
هذا العنوان الصغير بحجمه كبير في محتواه ومضمونه حيث إن الإصلاح الإداري والتطوير والتحديث يمثل المنطلق الأساسي والفعال لبناء مجتمع أفضل وفق مبدأ الشفافية وإعمال مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة ومكافحة الفساد بكل أشكاله وأساليبه والقضاء على بيئة الفساد التي يعيش بها، ويكمن السير بعملية الإصلاح الإداري بوضع استراتيجية تمكن من توليد وابتكار مفاهيم ونظم ومؤسسات وتزاوج بين الأصالة والحداثة معبرة عن مقومات ومكونات المجتمع الحضارية مستوعبة لواقعه الحالي ، مجسدة لآمال وطموح المجتمع المستقبلية ...
وهنا لابد من التركيز على أن الإدارة هي جوهر الإصلاح الإداري ...
إن الإدارة بجوهرها وغايتها ليست عملية فنية بحتة قاصرة على وضع الهياكل التنظيمية وتكوين وتنمية النظم وتحديد الإجراءات، إنما الإدارة في منظورها المتكامل عملية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وفنية ..
فهي عملية سياسية لأن النظام الإداري في مجمله يمثل ثقلاً كبيراً يؤثر ويتأثر في الوقت ذاته بالتوجهات السياسية.
وهي عملية اجتماعية لأنها تهدف إلى بناء مؤسسات ونظم فعالة تتصل جذورها بالمفاهيم والقيم الإيجابية للبيئة متأثرة بالواقع الاجتماعي ومؤثرة بغية تحقيق المجتمع الأفضل.
وهي أيضاً عملية اقتصادية لأنها تهدف إلى تحقيق الكفاءة والفعالية في استثمار الطاقات البشرية والإمكانيات المادية والفنية المتاحة.
وهي عملية ثقافية لأنها تهدف إلى تنمية القدرات وفق منهج متمازج ومتكامل يحقق التفاعل بين الأصالة والحداثة المعاصرة.
والإدارة هي عملية فنية تهتدي بروافد متعددة من العلوم والمعارف في تنمية وإثراء قدرات وإمكانيات النظام الإداري.
ونتيجة لهذا التعدد والتنوع في مقومات العملية الإدارية فإن أهداف الإصلاح في مفهومه وتوجهاته تتلخص في الفعالية والإنسانية.
ولكي يكون فعالاً ينبغي أن يحقق درجة من الشمولية والتكامل بين العناصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية كافة وأن يكون له أثره الإيجابي في كل منها.
ولايمكن إغفال العنصر البشري لأنه أساس لكل عناصر الإصلاح الإداري ، وعليه تقوم عملية الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد .. لذلك فلا بد من الاهتمام والتركيز عليه في كافة شؤونه لأنه هو البنية وهو الأسلوب وهو التشريع وبالتالي فهو العنصر الأساسي لمكافحة الفساد .. وبالتالي يتطلب أن يكون اختيار العنصر البشري وفق مبدأ تكافؤ الفرص – والمؤهلات والكفاءات – والسيرة العملية في مجال اختصاصه – التوازن بين الحقوق والواجبات – التمتع بالنزاهة والشفافية .. والشيء المهم في هذه العناصر أن يكون متفاعلاً بشكل مستمر مع التطور العلمي والعملي لأن المعرفة هي الأساس لكل عمليات البناء والتطوير والإصلاح الذي نسعى إليه .. والاهتمام الذي يدفع عملية الإصلاح للأمام.
وإذا كانت الانسانية هي العنصر الثاني لهدف الإصلاح فلا بد من الاهتمام بهذا العنصر البشري من حيث تأمين العيش الكريم – والمساءلة – والمكافأة ...
ولابد أيضاً من الاهتمام بدور التربية والتعليم في إبراز المعايير المقبولة لأمور الوظيفة العامة وكيفية التقيد بالقوانين وترسيخ مبدأ سيادة القانون .. والتعامل معه وزراعة القيم الأخلاقية والمثالية بالتعامل مع الآخرين والإشارة إلى تبني قيم الحق والقدوة الحسنة ومحبة الوطن، ولابد من إطلاق شعار "لامكان لأي شخص فاسد" وضرورة تقيد عناصر الإدارة بالالتزام بالمعايير العالية للأخلاق والالتزام بالانضباط والشفافية والتأثير بالآخرين من خلال السلوكيات النبيلة لإثبات الإدارة الجيدة.
ومادامت المساءلة من عناصر الاهتمام بالعنصر البشري فهي لاتتوقف عنده وإنما تتطلب مساءلة المؤسسات والجهات العامة من حيث تقييم الأداء ، وبذلك يكمن دور الرقابة في عملية الإصلاح ..
وضمن عملية الإصلاح لابد من الاهتمام بالرقابة على كافة مستوياتها .. الرقابة الخارجية – الرقابة الداخلية – رقابة مجلس الشعب والمجتمع ومنظماته.
وبهذا المجال لابد من الاهتمام بدور الرقابة الشعبية بحيث يكون الشعب حريصاً على أمواله وممتلكاته العامة من خلال ممارسته للرقابة وأن يكون مواطناً ايجابياً لا سلبياً في هذا الموضوع ، حيث الموقف السلبي يزيد من الإشاعات ويزيد من حالة نفور المجتمع والابتعاد عن حماية ممتلكاته العامة ومرافقه العامة والوصول إلى المواطنية الشاملة الحقيقية التي ترفض الفساد وتعمل على مكافحته.
المحاور الأساسية لعملية الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد هي : الثقة بالحكومة – الشفافية – النزاهة – العدل والإنصاف – المساءلة والمحاسبة – تحسين الخدمات
وإن من العناصر الأساسية للوصول إلى الحكم الرشيد للإدارة: المشاركة – المساواة وتحقيق العدالة – المساءلة والضبط ..
كما إن برنامج أي إدارة تعمل بغية تحقيق أهدافها يتطلب عدة محاور : التخطيط – التنظيم – التوجيه – الرقابة – المتابعة
من خلال هذه المحاور والعناصر يتبين شمولها على عنصر هام هو الرقابة بكل مدلولاتها وتسمياتها .....  التي لها دور حيوي في مجال مساءلة الحكومات عن إدارتها للأموال العامة ولها دور المساعدة على ضمان شفافية هذه الإدارة لأن الأجهزة الرقابية هي الأكثر أهلية لتقديم آراء مستقلة حول جودة إدارة القطاع العام والتأكد من مشروعية التصرفات المالية .
والرقابة إما أن تكون داخلية أو خارجية :
الداخلية هي التي تمارسها الجهة العامة نفسها من أجل أن تتمكن من الإحاطة بكيفية سير العمل لديها والكشف عن مواطن الخلل و الهدر، وعليها أيضاً تقع مسؤولية اكتشاف الأخطاء التي يقع بها العاملون لديها نتيجة مخالفة القوانين والأنظمة واللوائح والتعليمات المطبقة عليها :
أما الخارجية فتكون : إما رقابة خارجية متخصصة مثل الجهاز المركزي والهيئة المركزية، أو رقابة خارجية غير متخصصة - الرأي العام – مجلس الشعب - شكاوى الأفراد - الإعلام والصحافة - النيابة العامة - إضافة إلى وجود العديد من الرقابات التي تمارسها بعض الأجهزة الحكومية كل في مجال اختصاصه مثل / الرقابة التموينية – الرقابة الصحية - الاستعلام الضريبي  -الرقابة البيئية - الجمارك  - والنيابة العامة  - هيئة مكافحة غسيل الأموال .......
وبناءً على ما تم سرده سابقاً نخلص إلى مقترحات تعتبر ضرورية في هذه المرحلة :
1 – تطبيق مبدأ سيادة القانون على الجميع .
2 – نزاهة القضاء لتحقيق العدالة والمساواة أمام القانون .
3 – الشفافية في العمليات الحكومية لسلامة المال العام ،وإيجاد إجراءات وقائية تمنع الفساد قبل وقوعه .
4 – ربط عملية مكافحة الفساد بشكل وثيق مع عملية الإصلاح الإداري والتطوير والتحديث لبناء مجتمع أفضل وفق مبدأ الشفافية والعمل بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة وأن تكون عملية الإصلاح الإداري بوتقة تتفاعل معها كل الفعاليات السياسية والإدارية و الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وأن تمتد إلى دائرة المشاركة لكل القوى الشعبية .
5 – تعديل القوانين والأنظمة والتعليمات بنصوص واضحة غير قابلة للتأويل كي لايبقى فيها ثغرات ينفذ منها الفساد والفاسدون .
6 – تحسين دور التعليم ونشر الوعي ، وتمسك المجتمع بمبادئ النزاهة والشفافية وتبني قيم/ محبة الوطن - مكارم الأخلاق/ واطلاق شعار لامكان لأي فاسد معنا ، وكلنا شركاء في محاربة الفساد.
7 – تفعيل دور الإعلام والصحافة والأفراد بتوعية المواطن لممارسة الدور الايجابي بالاشارة الى مواطن الفساد والتأثير بالآخرين على أنهم قادرون على مكافحة الفساد ، وزرع القيم التي تحارب الفساد في نفوس أفراد المجتمع .
8 – إعادة النظر في أوضاع الوظيفة العامة لجهة العاملين من حيث الفائض أو النقص – عدالة الرواتب والأجور وفق متطلبات السوق – تأمين العيش الكريم – المسكن ....
9 – تفعيل مبدأ المساءلة بشقيه الايجابي والسلبي وإلزام القائمين على شؤون الوظيفة العامة باحترم حقوق ورغبات المواطنين .
10-  تطبيق الحكومة الالكترونية بشكل فعلي لتحقيق الأهداف التالية: 
- تقليل تكاليف الإجراءات الحكومية وما يتعلق بها من عمليات إدارية عن طريق تقويم هذه العمليات والإجراءات المتعلقة بها ، وإغلاق الثغرات التي تتيح نمو الفساد وانتشاره ، وإزالة الشوائب التي تخلقها الأساليب الإدارية القديمة .
- زيادة كفاءة عمل الأجهزة الحكومية خلال تعاملها مع المواطنين ، وإتاحة المعلومات الدقيقة والمحدثة لمتخذي القرار والمستثمر .
- سرعة إنجاز الإجراءات ما بين الدوائر الحكومية الكترونياً ، وتوحيد مصادر المعلومات في إطار واحد يستقي منه الجميع ، وتقليص الفجوة الرقمية بين شرائح المجتمع.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=4728