وجهات نظر

تجار الوهم..!!

علي قاسم


الإعلام تايم - الثورة


يبدو أن موسم الوهم عاد ليزدهر هذه الأيام وإن كان بشكل معكوس، وتزدهر معه المناقصات والمزايدات الإعلامية والسياسية وتتعدد منابر تسويقه ومنصات الترويج له، تحت عناوين وشعارات سيكون من الصعب خوض أي نقاش فيها أو حولها من دون الأخذ بتلك التموجات الكبرى من المتغيرات الإقليمية والدولية.


ومن دون انتظار تداعيات العواصف التي تجتاح المقاربات السياسية وغير السياسية لقوى ودول طالما كانت تراهن حتى اللحظة الأخيرة على الوهم الذي اشترته يوماً من سوق الكذب السياسي والافتراء على الوطن، والتحول إلى رقم مبيع وشراء على قارعة النخاسة السياسية الرخيصة.‏


وعلى المنوال ذاته أو الرتم عينه تأخذنا مجموعة المقولات الرائجة إلى الموضع الذي انطلقت منه قبل سنوات سبع أو أقل بقليل، حول مبررات ومسوغات وحول غفلة أو تغافل بدءاً من الحركة الرائجة لإعادة هيكلة التنظيمات الإرهابية وكل ما درجت عليه، وليس انتهاء بمواقف مجموعة من "المعارضين" الذين يعيدون تشكيل وجودهم ودورهم على مسرح انتهت للتوّ عمليات جرف منصاته نهائياً أو كادت، وسط سيل من التحليلات المتناقضة حول الأسباب والعوامل التي تدفع بهذا الفصيل الإرهابي أو ذاك إلى الترويج لصفقات مرحلية بحثاً عن أدوار وظيفية، وفي ظل تهافت على إعلان "التوبة" مما ألحق به ومما التصق على جلدته في رحلة الكومبارس التي تستبق نهاية العرض.‏
فما تشهده التشكيلات المعتمدة للتنظيمات الإرهابية، بمختلف تموضعاتها على اللائحة من تدحرج سياسي وتنظيمي، ناتج عن تفكك المنظومة الداعمة وتشتت الأذرع السياسية المنظمة لها، وغياب الرؤيا بحثاً عن خلاص يبدو مستحيلاً، وأغلبها يعيد حساباته على ضوء مشهد متبدل ومتغير بشكل دراماتيكي، ولا يلغي من اعتباراته إمكانية التعديل حتى في عناصر الارتباط الإقليمي والدولي، بعد أحاديث طويلة ومسهبة عن توقف الداعمين أو إعادة النظر في مصادر التمويل التي ستكون أكثر صعوبة لدى نفاد ما تراكم من تلك الأرصدة المدفوعة سلفاً.‏


فالاندماجات والانشقاقات التي تتكاثر من كل حدب وصوب تحت مسميات وأصناف من التحالفات غير المسبوقة في سباق محموم مع الأحداث أو في محاولة للتأقلم مع الوضع الجديد الذي فرض شروطه السياسية والميدانية، تعيد طرح الأسئلة المؤجلة أو تلك المتعلقة بسياق ما يجري، في وقت يتسابق فيه عتاة المؤدلجين والهاربون من المنابر الإعلامية ومنصاته السياسية التي اكتظّت بهم على مدى سنوات خلت للبحث عن طريق الإياب والبدء برحلة العودة تحت مبررات وذرائع تتلون وتتغير تبعاً للمعطى السياسي، أو وفقاً للمنهج الأكثر تداولاً هذه الأيام، وهي اكتشافهم غير المسبوق بأن هناك من يتآمر وهناك من يخطط للتآمر على الوطن..!!‏
لسنا بوارد البحث في أوجه الشبه، ولا نية لدينا للتدقيق في الفروقات الهائلة بين الذرائع المجحفة بحق العقل السياسي، وتلك الحفنة التي أرادت أن تستغفل الانشغال بالمتغيرات من أجل الترويج لبضاعة كاسدة بدأ التحضير لها منذ أشهر خلت، بعد أن أيقن الكثيرون منهم أن الباب الموصد اليوم سيبقى كذلك وإلى أمد بعيد، وأن العودة ليست منة لأحد كما أنها ليست بطولة من أحد، بل إن عهد البطولات الكاذبة والمخادعة قد أفل إلى غير رجعة.‏
فمن احتاج إلى سبع سنين إلا قليلاً كي يكتشف ما يعلن أنه يكتشفه لأول مرة، سيحتاج لأضعاف ذلك ليعرف الفارق بين الوطن وبين بهو فندق هنا أو منصة عرض هناك، ومن احتاج إلى كل هذه المقدمات كي يسوّغ قرار اعترافه أو إقراره بما اقترف، سيحتاج إلى زمن طويل كي يدرك الفرق بين المعرفة في السياسة وبين الخنوع أو الارتهان لهذا الفصيل أو ذاك الممول، وهذا ما ينسحب بالتوازي على ما يماثله في التنظيمات الإرهابية التي عجزت على مدى سنوات مديدة عن إنشاء تحالف واحد قابل للحياة، لن يكون بمقدورها أن تنتجه في بضعة أيام أو أسابيع حتى لو خرجت من جلدتها وتجردت من كل ما علق وسيعلق بها، حتى لو أرادت أن تغتسل من كل ما اقترفته، فزمن الاغتسال لم يحن موعده ولم تأت بعد محطاته.‏


الواضح أن من اشترى الوهم على مدى سنوات سبع لن يكون بمقدوره أن يعود ليبيعه في بضعة أسابيع، فشراء الوهم في حينه كان مدفوع الثمن، فيما اليوم البيع فيه ومن الزاوية ذاتها لا مكان له ولا أصوات تعلو تصفيقاً ولا ترحيباً، فمن باع مرة سيبيع مراراً، ومن تاجر بالوهم ذات يوم واستودعه غنائم صفقاته وبضاعته الكاسدة ومكاسب الخنوع سيظل حيث يقف مبرراً ومسوغاً من دون طائل.‏
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=47258