وجهات نظر

حملة الموصل، الخطّة "ب" و"الهلال الأميركي"

طارق الدليمي


الإعلام تايم -الميادين

 

أكد هاس في مقالة مفصلة في جريدة "الفاينانشيال تايمز " البريطانية، منوهاً بأن العملية يجب أن تدمّر قواعد للطيران السوري بواسطة صواريخ كروز، ولا تستهدف إنجاز "سياسة" تغيير الأنظمة المعروفة، ولكن فقط للإثبات بأن هناك "شريف" جديد في المدينة، وأن العدوان لا يعني أن الحل بسيط أو سهل وإنما هو يخلق "لحظة تعريف" محدّدة نوعياً ترفع من مستوى المناورة السياسية في منطقة الشرق الأوسط لبناء أسلوب مُتميّز في المساومات المطلوبة.

في 3 شباط/فبراير 2006 صرّح الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر بأن هناك ناساً في واشنطن، "لا يريدون الانسحاب من العراق بل البقاء هناك إلى عشرين سنة أو حتى خمسين سنة".

ويُعقّب المؤرّخ الأميركي الشهير بكتاباته حول حياة الرؤساء الأميركان مايكل بيسكلوس، بأن لكل رئيس أميركي "حربه" الخاصة ويزرع قواعده المُنتقاة في البلدان التي يحتلها. ومنذ تلك الفترة كان الاستراتيجي اليميني الأميركي فردريك كاغان يكتب بأن الرئيس دائماً لديه خطّة "ب" في عملياته العسكرية . المهم هو دائماً خلق الوقائع الجديدة على الأرض، وتشييد التفاعلات السياسية بعد ذلك.

 

إن التقرير الرهيب الذي نشرته الدورية الأميركية "كوفيرت جيوبوليتيكس" في 6 نيسان/أبريل الحالي، يشمل الأوضاع المشتركة في العراق وسوريا سياسياً وعسكرياً. ويتضمّن التفصيلات التي كتبها  في 18 تشرين الأول/اكتوبر 2016  المُحلّل الأميركي مايكل بريجينت في "معهد هدسون" المُرتبط بالبنتاغون، والذي يقترح في عنوان الدراسة "البحث عن قيادات سياسية جديدة وتمويل دائم "لبناء مقاطعات مُستقلّة مُتعدّدة في الشمال والشمال الغربي من العراق، والشمال والشمال الشرقي من سورية، وهي ضمن الرعاية الانكلو أميركية تتطوّر نحو "دويلات" صغيرة فدرالية تحت الحماية العسكرية الغربية والدعم الاقتصادي الخليجي، وتشكّل قاعدة متينة لـــ"الهلال الأميركي" في المنطقة، وجزء من الملكية العقارية الاستعمارية في الاقتصاد السياسي الامبراطوري. ولا يمكن النسيان أبداً أن الرئيس الأميركي الحالي هو تاجر عقارات، وأن وزير الخارجية الأميركي هو رئيس "أكسون موبيل"، أكبر  شركة نفطية في العالم. وإن الاحتياط النفطي والغاز في هذا "الهلال" يمتد إلى أكثر من القرن الراهن.

ويؤكّد المؤرّخ القدير الأميركي ويليم بلوم بأن أميركا لا يمكنها مغادرة حقبة الحرب الباردة ما دام لديها الربح أهم من الأنسان. وكيف أن الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون كان قد عرض، في زيارته للمنطقة عام 1974، على الملك الأردني الراحل حسين شراء الضفة الغربية الفلسطينية ومن ثم تقترح بعد ذلك أميركا حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية. أما المؤرّخ والعالِم الجغرافي العربي المغدور جمال حمدان فقد ذكر بالتفاصيل في كتابه الأنثروبولوجي الخطير "اليهود في التاريخ"، بأن أميركا ومنذ إبراهام لينكولن تخطّط لأن تكون القدس عاصمة اقليمية لأميركا، وعلى غِرار العواصم الطرفية المعروفة في حياة الامبراطوريات الكبرى في التاريخ.

 

إن سياسة التدمير بدل القتال، كما تدّعي ضدّ "داعش"، التي تمارسها أميركا في العراق وسورية، ومن الموصل وحتى الرقة، هي تجري ضمن مفصلين مُتناقضين أحياناً ومُتشابكين أحياناً أخرى. إن الوشائج التكتونية في صناعة الموت والاحتلال تفي بالغرض أميركياً في حالتي الفصل السياسي والدمج العسكري بين العراق وسوريا والعكس أيضاً هو الصحيح، والمستخدم ضمن مرونة تعبوية عالية من أجل تحقيق هدفين مُتلازمين: الأول منع تطوّر وبناء دولة وطنية جديدة مستقلّة في العراق، وثانياً تحطيم جهد الإمكان، الدولة السورية والسعي الجاد لخلق "الهلال الأميركي" المفيد بين القطرين العربيين الشقيقين.

وغني عن البيان أن الحال العقلية لمراكز التحليل الأميركية الداعمة للعدوان الأميركي على العراق وسوريا، تتلخّص في أن "التفكير بما حصل أو يحصل في البلدين حتمي يوازي في الخطأ، أن ما لم يحصل لحد الآن غير ضروري". وهنا لا يمكن الشكّ في قدرات المُحلّل الاستراتيجي الأميركي ريتشارد هاس فهو  (أبن) بجدتها فكرياً وهو الضليع في المكوّنات العدوانية الطويلة المدى ويعرف كيف يعطي باليد اليسرى الذرائع المقبولة لليد اليمنى لتقوم بشنّ العدوان الغادر على سورية في 7 نيسان/ابريل من الشهر القائم .

إن "هاس" الجمهوري الارتباط، رئيس مجلس التخطيط في الخارجية الأميركية في زمن بوش الابن، وأحد مُخطّطي احتلال العراق عام 2003، هو حالياً رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، والذي أعطى تعليماته الصريحة للبونابرتية العقارية – النفطية في واشنطن، في تغريدته في يوم الأربعاء 5 نيسان/أبريل الحالي مشيراً إلى القيام بعملية عسكرية سريعة ضدّ سوريا تهدف لتحقيق عقوبات جماعية ضدّ كل أعداء أميركا من كوريا الشمالية إلى سورية والحلفاء الداعمين لها، وخاصة إيران وحزب الله وروسيا.

وأكد هاس تغريدته هذه في 6 نيسان/أبريل في مقالة مفصلة في جريدة "الفاينانشيال تايمز " البريطانية، منوهاً بأن العملية يجب أن تدمّر قواعد للطيران السوري بواسطة صواريخ كروز، ولا تستهدف إنجاز "سياسة" تغيير الأنظمة المعروفة، ولكن فقط للإثبات بأن هناك "شريف" جديد في المدينة، وأن العدوان لا يعني أن الحل بسيط أو سهل وإنما هو يخلق "لحظة تعريف" محدّدة نوعياً ترفع من مستوى المناورة السياسية في منطقة الشرق الأوسط لبناء أسلوب مُتميّز في المساومات المطلوبة.

 

في كتابه المُمتع "أعمدة الأرض يقول الكاتب البريطاني كين فوليت، وعلى لسان رجل الدين الطموح في بناء كاتدرائية جديدة في انكلترا الصاعدة في منتصف القرن الثاني عشر، "إن السياسة هي المساومة بين الشحاذين".

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=44791