وجهات نظر

الضربة الأمريكية لسورية ليست استعراضية ويتيمة… إنها في صلب استراتيجية

كمال خلف


الإعلام تايم- رأي اليوم

 

عند وقوع الضربة الأمريكية بصواريخ(  التوماهوك)  على مطار الشعيرات في سورية فجر يوم السبت ، برز إلى الواجهه السؤال التالي:  هل هذه استراتيجية ومسار أمريكي للتعامل مع الأزمة السورية والنظام في سورية ، أم أنها رسالة تقول ان ما لم يفعله الرئيس السابق باراك أوباما استطاع ترامب أن يفعله؟؟؟ .

 أغلب التحليلات ذهبت باتجاه الرأي الثاني وذلك اعتمادا على مجموعة من العوامل والمعطيات أولها أن البيت الأبيض أبلغ روسيا  بحدوث الضربة قريباً ، وهي أبلغت الحكومة السورية وتم إخلاء المطار بالكامل قبل يوم من الهجوم ، وأصر على هذه المعلومة الأكيدة رغم إعلان البيت الأبيض لاحقاً أنه دمر 20 بالمئة من القوة الجوية السورية وأن المطار أصبح خارج الخدمة  ، وهذا كلام غير صحيح بالمؤكد.

 من الأمور الأخرى التي أشار إليها محللون ومتابعون أن ترامب أراد فقط أن يظهر بمظهر الرئيس القوي ولم يحقق شيء سوى الاستعراض . وبالتالي ذهبت التقديرات أن الضربة يتيمة ولن تتكرر وستعود الأمور إلى مربعها السابق .

اسمحوا لي أن أخالف هذا الاعتقاد ولو جزئياً واطرح معطيات مقابلة لتلك التي ذكرت جزءا منها .

القول أن الرئيس ترامب يعاني من مشكلات داخلية تتمثل في عدم قدرته حتى الآن على تحقيق وعوده الانتخابية ، لا تغطي عليها ضربة عسكرية يتيمة ، إنما يحتاج إلى القدرة على صرف الأنظار بشكل أكبر إلى تحديات الخارج وفاعلية الولايات المتحدة  فيها كلاعب أساسي بل في مقعد القيادة لمواجهتها ، وهذا يتطلب من ترامب وأركان إدارته الانخراط بشكل أكبر وأوسع في ملفات خارجية وسورية في أولويتها، وهو يفعل ذلك حتى قبل الضربة العسكرية لسورية ، ولذلك جاء العدوان على سورية فجر السبت كجزء من استراتيجية غامضة الأهداف حتى الآن ، ولكنها قائمة ويمكن الاستدلال عليها بالمعطيات التالية .

 

منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض زاد من عديد قواته في سورية  في شهر آذار مارس المنصرم فقط وصل أكثر من 400 جندي من قوات مشاة البحرية ، عدا عن دفعات وصلت في شهر شباط  فبراير الماضي تقدر ب 300 جندي ، مع آليات ومدرعات وطائرات مروحية   ، وسائل الإعلام الأمريكية تتحدث عن خطة أعدها البنتاغون لرفع عديد القوات الأمريكية في سورية الى الحد الأقصى ،  مع إعطاء صلاحيات أكبر للقيادة الميدانية في سورية والعراق  كانت مهام العدد القليل من القوات الأمريكية  في سورية في عهد أوباما تنحصر بالتدريب والاستشارات العسكرية ، بالتعاون مع قوات سورية الديمقراطية ، إلا أنها توسعت في عهد ترامب لتشمل وحدات من النخبة القتالية، في الوقت الذي تتفاوض فيه  الإدارة مع أنقرة لضم مقاتلي درع الفرات إلى البرنامج الأمريكي .

وكان إعلان أنقرة انتهاء عملية درع الفرات ، والإبقاء على المجموعات المقاتلة في أماكنها في صلب هذا التفاوض مع الإدارة.

 لماذا تزيد الولايات المتحدة عديد القوات بشكل متسارع في سورية ؟ هل لقتال تنظيم الدولة في الرقة ، حسنا هذا ما تقوله ، ولن نطرح أسئلة عن كيفية ذلك ومن سيشارك هذه القوات في تحرير الرقة ولكن السؤال الأهم هو ماذا بعد ذلك ؟؟ ماذا عن اليوم التالي ؟

في نهاية شباط فبراير  أعلن مكتب إدارة الميزانية الأميركية في بيان رسمي أن ترامب يعتزم زيادة الحصة العسكرية في الإنفاق العام لحكومة الولايات المتحدة بـ54 مليار. يقول ترامب مبررا طلبه هذا ، ( ان الزيادة التاريخية للإنفاق العسكري هو لبناء القوة العسكرية المتهالكة لأمريكا والتي تراجعت بشكل ملموس في السنوات الماضية )  فهل كل هذه الميزانية الغير مسبوقة أو التاريخية كما سماها لترك الملعب في المنطقة لروسيا ؟؟

لابد أن نضيف إلى هذا المشهد ما تقوم به الولايات المتحدة من اتصالات ولقاءات مع قادة ما كان يعرف سابقاً بحور الاعتدال العربي ، (زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس السيسي)  بالإضافة إلى بات ملموساً من تناغم وتقارب دول الخليج العربية مع إسرائيل برعاية الإدارة الأمريكية  وهذا مقدمة فقط لما سيأتي بعد هذا التقارب.

 

كل هذا يجعلنا نختلف مع أصحاب الرأي القائل أن ترامب أراد الاستعراض من عدوان فجر السبت على سوريا ، وإذا كانت الضربة العسكرية لن تتكرر فهذا لا يعني أنها ليست جزءا من خطوات تمضي بها واشنطن لبناء استراتيجية في سورية بل في عموم المنطقة.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=44776