الإعلام تايم -الأخيار
قرّر حزب الله سحب عناصره وكوادره وإنهاء انتشاره وتموضعه العسكري، في الساحة السورية. قرّرت إيران، في تساوق مع ذلك، سحب مستشاريها العسكريين، كما قررت فصائل المقاومة العراقية، سحب مقاتليها وإنهاء وجودها العسكري في سورية.
وقبل أن نستكمل الموضوع، من المفيد الإشارة إلى أنه سيناريو، مفترض، وفق آمال وأحلام جهات تراهن على إمكان الفصل بين روسيا وإيران، في الساحة السورية، وما يليها أيضاً، باتجاه الإقليم.
الخيارات الروسية في مواجهة هذا السيناريو، قد لا تحيد عن ثلاثة:
الخياران الأول والثاني، ينهيان عملياً الوجود الروسي و/أو تأثيراته السياسية، وينتفي بنتيجتهما إمكان تحقيق المصالح الروسية، كما هي مرسومة ابتداء. مع فقدان، بطبيعة الحال، تلك المكتسبة منها حتى الآن. هما خيارا الاستسلام الفعلي بعد تلمس الانتصارات. ويأتيان بعد التخلي عن رافعة التأثير والسيطرة (إيران وحلفائها)، والقدرة الفعلية التي مكنتها من فرض إرادتها السياسية.
هنا، تكون موسكو أمام مسمى دائرة غير مغلقة: التخلي عن الرافعة (إيران وحلفائها) التي مكنتها من الانتصار، كي تعطى بموجب التخلي، نفس النتيجة التي حققتها مع وجود الرافعة لديها: الانتصار. في واقع كهذا، ستكون موسكو أمام معادلة منقوصة في الميزان البيني وخصومها، مع الأمل بكرم وسماحة وأخلاق سياسية لدى الخصوم، لتنفيذ ما وعدوا به، بعد انتفاء رافعة التأثير الميدانية لروسيا. وهذا كله مع الإدراك المسبق، أن لا أخلاق وسماحة وكرم، في العلاقات بين الخصوم والأعداء، خاصة مع اختلاف وتباين بل وتضاد، بين المصالح.
مع ذلك كله، أيضاً، لن ينتظر المسلحون والجهات التي تقف خلفهم، أن تتخذ موسكو أياً من خياراتها. ستعود هذه الجهات إلى اتخاذ الموقف العدائي ودفع المسلحين للتحرك الهجومي الميداني، وفرض حقائق جديدة على الأرض، تنهي مفاعيل ما تحقق للروس، من حين تدخلهم العسكري إلى جانب حلفائهم، في سورية. واقع جديد، سيدفع روسيا إلى التقرير إن كانت ستتخلى عن سورية وإلحاق الهزيمة بها، أو التدخل البري المباشر لتعويض النقص ومنع الانكسار الميداني، مع منسوب مرتفع، جداً، من المخاطرة... مخاطرة كانت قد قررت موسكو ابتداءً منع نفسها من الوقوع فيها، وعدم التسبب للجيش وللقيادة الروسيتين، تكرار سيناريوهات التدخل السوفياتي في أفغانستان.
اعتماد موسكو أياً من الخيارات الثلاثة، وقبلها انسحاب الحلفاء من سورية، سيدفع الآخرين، بحسب تسمياتهم، كأعداء أو خصوم، إلى التموضع السياسي والميداني السابق، وسيعاد إحياء فرضيات وأدبيات وتوجهات وخطط سياسية وميدانية، كانت سائدة قبل التدخل الروسي في سورية، وأيضاً لحظة بدء التدخل، ومن ضمن ذلك:
هجمات ميدانية مباشرة ضد الوجود العسكري الروسي، حتى في مرحلة ما قبل بلورة قرار التدخل البري، إن تقرّر لاحقاً، بالفعل. وفي حينه، ستكون الهجمات أكثر دموية وديمومة وشراسة.
عودة الحياة إلى الجسد الخليجي الذي أعلن موته، وعودة الحياة إلى تموضعهم القديم، في مواجهة الدولة السورية. وعودة الدعوة إلى مؤتمر دولي، للحل في سورية، بناء على المعطيات الميدانية الجديدة.
توالي التصريحات والمواقف الموجهة إلى موسكو، في مد يد "العون" للخلاص من المستنقع السوري... تصريحات عن خصوم وأعداء للمصالح الروسية نفسها، إن في سورية، أو في الإقليم، أو الساحة الدولية.
نعم. من شأن أي عاقل، أو غير عاقل، أن يتخيل انفصال الروسي عن الإيراني والعكس، وتحديداً للجهات التي لم يعد لديها ما تقوم به، إلا تلقي النتائج. لكن لا عاقل، بناء على ما ورد، يتخيل التشابك والتصارع بين الجانبين، الروسي والإيراني، مع إدراكهما المسبق تبعات سيناريو الانفصال هذا، وتحديداً، وبشكل أساسي، بعد الدخول في مرحلة الانتصارات، بمشاركتهما معاً.
مع ذلك، لا يجب أن يغيب عن بالنا أن روسيا دولة لها مصالحها، وقد تقدم، بطبيعة الحال، على الاستفادة إلى حد أقصى من سوء العلاقة والعداء القائمين بين إيران وأميركا. تماماً كما هو واقع إيران نفسه، التي ستبحث، أيضاً، عن الاستفادة من النزاع الروسي ــ الأميركي. إلا أن كل ذلك، يأتي ويتمحور ضمن هامش ضيق محكم بالمصالح الاستراتيجية للجانبين، حيث العلاقة بينهما عضوية، وهامش المناورة حولها مقلص ويصعب التملص منه. |
||||||||
|