وجهات نظر

"توحيد حلب": إنذار روسي ـ سوري أخير؟

زياد حيدر وخليل حرب


الإعلام تايم- السفير

احتمالات التسوية السورية مؤجلة إلى أجل غير مسمى. الإنذار الأخير كما يبدو، أو النعي المفاجئ على لسان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، مترافقاً مع تسريبات حول موعد افتراضي لمعركة "توحيد حلب" في الثامن من تشرين الثاني الحالي، بالتزامن تماماً مع الانتخابات الاميركية، يعني مبدئياً أن اشتعال الجبهة الحلبية أصبح لا مناص منه، بقرار من القيادتين الروسية والسورية العليا.

 

الروزنامة الأميركية حاضرة بالتأكيد في قرار موسكو ودمشق، في ما لو صح موعد الثامن من الشهر الحالي، إذ يصر الروس كل يوم أنهم منذ أكثر من أسبوعين، لم تخرج مقاتلاتهم الجوية إلى سماء حلب التزاماً منهم بالتهدئة التي وعدوا بها الأميركيين، ولم تردّ لهم واشنطن هذه التحية، بما هو أحسن منها، أو أقله بفصل "المعتدلين" عن "الإرهابيين".

 

لكن الخطط العسكرية الموضوعة لمعركة "توحيد حلب" لا تزال محل تكهنات واسعة. فعلى الرغم من تكرار الحديث عن احتمالات الهجوم الواسع على معاقل المسلحين في شرق حلب، والذين رفضوا عشرات النداءات السورية والروسية (وحتى التركية للمفارقة)، للخروج من الأحياء المحاصرة، فإن تقديرات عسكرية أخرى تشير إلى أن الخيار العسكري الأمثل، قد يتمثل في استئناف عمليات القضم التدريجي التي يقوم بها الجيش والحلفاء لما تبقى من أحياء تحتلها فصائل "جهادية" متنوعة، بدعم أكبر هذه المرة من سلاح الجو الروسي.

 

ويصبح خيار "توحيد حلب" أكثر إلحاحاً، بعدما أمعنت الفصائل المسلحة في انتهاك الهدنة التي أعلنتها موسكو ودمشق، بتشجيع أميركي، أقلّه "رسمياً". وقد توجت الانتهاكات بالهجوم الواسع الذي شنته فصائل المسلحين بما في ذلك "جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام" على الضواحي الغربية لمدينة حلب منذ أيام، والقصف الصاروخي الذي استهدف المدنيين طوال أيام موقعاً مئات الضحايا بين قتيل وجريح، في اعتداءات جعلت المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا يخرج عن "هدوئه" المعتاد ليعبّر عن "صدمته".

 

لكن عوامل أخرى تجري بالتزامن مع التهديد الذي أطلقه الوزير شويغو. رئيس الأركان التركي الجنرال خلوصي أكار يزور موسكو بدعوة منها، للتباحث "بصراحة" في وضع المشهد الحلبي وقضايا أخرى. واشنطن التي تتباهى يومياً بالاستعداد لمعركة الرقة السورية، تؤجل تسليم شحنات أسلحة ضرورية كانت مقررة للمقاتلين الأكراد المفترض أنهم سيشكلون رأس حربة في الهجوم على محيط الرقة، استجابة على ما يبدو لهواجس "الحليف التركي" المتململ، فيما القوات العراقية على المقلب الأخر للحدود، تسترد أحياء ومناطق من قبضة "داعش" في مدينة الموصل التي كان يفترض، بحسب الإعلان الأميركي، أن تتزامن مع معركة الرقة، وهو ما لم يحدث حتى الآن. لا بل إن الأميركيين، يضيفون على تعقيدات المشهد، "شروطهم" برفض أي دور للجيش السوري في الرقة!

 

وإزاء هذا المشهد، يقول مسؤول سوري رفيع المستوى في لقاء إعلامي خاص، إن دمشق لم توجه دعوة للقوات الروسية لممارسة "دور في المعركة" الدائرة على الأرض فحسب، بل طلبت مؤخراً "المزيد من هذا الدعم".

 

الاجتماع الثلاثي الذي جرى في موسكو مؤخراً، وضم نائب رئيس الوزراء السوري وزير الخارجية وليد المعلم إلى جانب نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، والروسي سيرغي لافروف، بدأت تُترجم نتائجه عملياً، بحيث تتجلى خلال الأسبوعين المقبلين، بشكل يتزامن مع ازدياد حمى الانتخابات الاميركية، ووصول الدعم العسكري البحري الروسي إلى نقاط تمركزه في مياه البحر المتوسط.


المسؤول السوري ذكر بأن الدور العسكري الروسي في سورية، جاء "بعد ثلاث سنوات من الحرب"، و"بدعوة من الجانب الحكومي السوري"، محمِّلاً "المعارضة السورية" وداعميها مسؤولية وصول الأمر إلى هذا الحد، من التشعبات الإقليمية والدولية.

 

وباعتبار أن الحكومة السورية تقدم التواجد الروسي في الميدان السوري، بـ "صفة دعم جوي عسكري"، أضاف المسؤول "أن سورية تحاول بقوة أن تجعل الروس أكثر تدخلاً" في الشأن العسكري.
ورسالة من هذا النوع كررها السوريون في موسكو الجمعة الماضية، لا سيما أن الطرفين متفقان على أهمية معركة حلب، ويعرفان جيداً ما الذي يعنيه انتصار الحلفاء الثلاثة في هذه المعركة.

 

ووفقاً لديبلوماسي عربي مقيم في دمشق، فإن "استعادة حلب" أو "توحيد حلب" كما يفضل المسؤولون السوريون القول، سيحدث "نقطة تحول في الحرب تُعادل النقطة التي أحدثها إعلان التدخل الروسي" في الميدان السوري، وإنشاء قاعدتيه العسكريتين الجوية والبحرية في مدينة طرطوس.

 

ووفقا للتقييم ذاته، اتفقت الأطراف الثلاثة على أن "الطريق ممهد" الآن لاستئناف عملية "توحيد حلب"، لا سيما أن موسكو أفرغت كل ما في جعبتها من تكتيك سياسي حاول استنفاد كل قدرة الطرف الآخر على المراوغة، بما في ذلك تبادل "الرسائل العلنية" بين رئاسة الأركان الروسية حول الرغبة في استمرار الضربات الجوية في سماء حلب، ورغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منح "الهدنة" فرصة أخرى، وفقا لما تناقلته وسائل الاعلام عن الطرفين في الأيام الأخيرة.

 

لكن هذا انتهى الآن، أو كاد ينتهي باعتراف الأطراف الثلاثة. فالحديث عن "موعد المعركة النهائية" في حلب، يقابله المسؤولون في دمشق، بهزّة رأس كلها ثقة، وإن متحفظة عن التصريح، بشيء يسبق وقته ولو بقليل.

 

وأمس، جاء كلام وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، باعتباره "انذاراً أخيراً" بفشل كل جهود "الحل السلمي في حلب"، وهي استراتيجية اتبعها الحلفاء الثلاثة، وقامت على تأمين كل شروط التهدئة الممكنة لفصل الفصائل المسلحة في حلب عن مقاتلي "جبهة النصرة"، محملين الطرف الآخر مسؤولية فشله.

 

وقد أعلن شويغو "إخفاق كل هذه الجهود"، مضيفاً أن فشل الغرب في "كبح جماح" مسلحي "المعارضة المعتدلة" في سورية تسبب في إرجاء استئناف "محادثات السلام" لأجلٍ غير مسمى، مؤكداً في الوقت نفسه أن موسكو لا تستخدم الطيران في مدينة حلب منذ 16 يوماً بأمرٍ من الرئيس بوتين.

 

وفي تصريحات بثها التلفزيون الروسي، قال شويغو إن المسلحين الذين تدعمهم الحكومات الغربية "كانوا يهاجمون المدنيين" في حلب على الرغم من تعليق الضربات الجوية الروسية. ونتيجة لذلك، يقول شويغو "فإن احتمالات بدء عملية التفاوض وعودة الهدوء للحياة في سورية، أرجئت لأجلٍ غير مسمى".

 

وفي هذه الأثناء، تتقدم مجموعة من سفن الأسطول الروسي باتجاه السواحل السورية حالياً، تحت قيادة حاملة الطائرات "الأدميرال كوزنيتسوف"، وتضم المجموعة طراد "بطرس الأكبر" الصاروخي الذري الثقيل، وسفينتي "سيفيرومورسك" و "الأميرال كولاكوف" الكبيرتين المضادتين للغواصات، إضافة إلى عدد من سفن الإمداد.

 

وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الرئيس الروسي، ديميتري بيسكوف إن "الهدنة (في حلب) لا تزال قائمة في الوقت الراهن، والعمل مستمر الآن على ضمان خروج المدنيين وإجلاء الجرحى من حلب الشرقية، وخلق الظروف اللازمة لإيصال المساعدات الإنسانية. إلا أن جميع هذه التدابير سوف تصبح ضرباً من المستحيل إذا ما استمر الإرهابيون في قصف الأحياء ومعابر إيصال المساعدات الإنسانية وشرعوا في الهجوم، جاعلين المدنيين دروعا بشرية لهم".

 

من جهته، تساءل مسؤول سوري:"ما هو المطلوب منا؟ أن نكون بأخلاق الملائكة، وتلقي الصفعات؟"، مضيفاً "مسؤوليتنا هي الدفاع عن أهلنا في حلب الغربية، وإنقاذ من هم في حلب الشرقية من سيطرة المجموعات المسلحة"، وذلك بعد حصيلة كبيرة من الضحايا زادت عن ثمانين شخصاً وحوالي مئتي جريح.

 

وفي سياق مشابه، أبدت دمشق رغبتها في تلقي المزيد من الدعم الاقتصادي، في اللقاء الثلاثي، ولاحقاً في لقاء الجانبين الروسي والسوري، مشيرة إلى "ضرورة منحها قدرة إضافية في هذه المعركة (الاقتصادية) أيضاً، التي لا تقل اهمية عن المعركة العسكرية".

 

الروس من جهتهم، أبدوا اهتمامهم بزيادة فعالية التعاون بين الجانبين، وفي استجابة سريعة، طلب بوتين من نائب رئيس وزرائه ديمتري راكوزين زيارة دمشق في أقرب وقت، لبحث سبل "تفعيل التعاون الثنائي"، وذلك في إطار اللجنة السورية الروسية المشتركة والتي رفع السوريون تمثيلهم الرسمي فيها إلى مستوى نائب رئيس الوزراء، بعدما كان بمستوى وزير، ورفعوا مستوى التعاطي الرسمي مع اللجنة، بشكل يحاكي التأسيس "لشراكة اقتصادية طويلة الأمد".

 

وستشكل استعادة حلب أو توحيدها تحت سلطة الدولة، نقطة انطلاق علماً أن الطرفين يتحدثان عن العد العكسي لـ "الهجوم الكبير"، خصوصاً أن الانتخابات الاميركية اقتربت، ما يعني اتساع الفراغ السياسي بين موسكو وواشنطن، الأمر الذي سيسمح للأولى باستثمار هذا الفراغ بإحراز تقدم عسكري بارز، يواجه الإدارة الاميركية المقبلة.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=40852