وجهات نظر

هكذا هزم نصرالله "العقلية" السعودية "الاقصائية" للمسيحيين

ابراهيم ناصرالدين


الإعلام تايم - الديار


عندما التقى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع قبل أيام برئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ذكره بخطاب "البيال" الشهير عندما عاتبه على خطوة تفاهم معراب، "ياريتك عملتها من زمان يا حكيم اديش كنا وفرنا..."، وقال له "ممازحاً "ياريت عملتا من زمان يا شيخ سعد وتبنيت ترشيح "الجنرال" اديش كنا وفرنا..." ضحك الرجلان طويلاً دون أن يشربا "نخب الانتصار" ثمة هزيمة في أعماق كل منهما، هما يدركان أن تسويق الربح مهمة صعبة، وادعاء الفوز على "الفراغ" باعتبار أنه مرشح حزب الله وإيران الحقيقي، "نكتة" سمجة لا تستحق حتى ابتسامة "صفراء"...هكذا حسمت حسابات الربح والخسارة عشية الجلسة، لكن ثمة أسباب موجبة للقول أن ما فعله حزب الله هزيمة "للمشروع السعودي" الذي رسمت معالمه منذ اتفاق الطائف، فكيف تم ذلك؟ 

 

عندما يقول الرئيس فؤاد السنيورة في مجالسه الخاصة، ما يقوله اللواء أشرف ريفي، والدكتور فارس سعيد علناً، بأن انتخاب رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون حليف حزب الله يشكل انتصاراً صافياً لإيران في لبنان، لا داعي لأن يحدثنا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أو أي مسؤول في الحزب عن الرابح  والخاسر في هذا الاستحقاق، صحيح أن حزب الله وكما العادة سيهدي الانتصار على الفراغ "والعناد" "والحسابات الخاطئة الى جميع اللبنانيين، فعل ذلك في العام 2000عند التحرير، وفي العام 2006 بعد الانتصار في تموز، لكنه لن يسمح لأحد بتحويل "إذعانه" المتأخر الى ورقة ضغط لتحصيل مكاسب لا يستحقها، بعد أن نجح في ايصال الرئيس الأقوى عند المسيحيين الى سدة الرئاسة... هذا ما تعتقد به أوساط مسيحية مقربة من قوى14آذار، تتحدث في مجالسها الخاصة عن انتصار معنوي تاريخي منحه الثنائي جعجع- الحريري للأمين العام لحزب الله من دون حساب عواقبه، وبرأي هؤلاء فإن اسم السيد نصرالله دخل التاريخ من "بوابة" إعادة دور المسيحيين "المسلوب" في اتفاق "الطائف السعودي" الذي جاء على وقع اختلال موازين القوى الداخلية بعد "مغامرات" غير محسوبة دفع المسيحيون ثمنها لاحقاً في النظام الجديد... ويعتقد هؤلاء أن السيد نصرالله نجح  في "هزيمة" المشروع السعودي القائم على تهميش الدور المسيحي، وهو مشروع انطلق مع عودة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى البلاد قبل وبعد انتهاء الحرب الأهلية.. ونجح أيضاً في ادخال تعديلات جوهرية على الطائف من "خارج النص" ودون مؤتمر تأسيسي... كما أضاف لنفسه لقباً جديداً كأهم "لاعب" على الساحة المحلية بعد أن كان متخصصاً بتحقيق الانتصارات على الحدود...

 

وتشرح تلك الأوساط  نظريتها بالقول، عندما كان النفوذ السوري عاملاً حاسماً في رسم معالم التركيبة السياسية اللبنانية كان الفريق المحسوب على دمشق يتلطى بقلة الحيلة وانعدام القدرة على التأثير بالقرار لتبرئة نفسه من الظلم اللاحق بالمكونات السياسية المسيحية، لكن الخروج السوري من لبنان كشف المستور وسقطت بعدها كل "الأقنعة"، لا أحد في تركيبة "المصالح" ما بعد الطائف كان يريد شراكة متوازنة مع المسيحيين ،عقلية "المنتصر" في الحرب التي أسس لها الرئيس رفيق الحريري قبل استشهاده سمحت له بالهيمنة والسطوة، وفي جلسات الحوار الطويلة مع السيد نصرالله تقدم بعرض شراكة ثنائية تحكم البلاد على قاعدة ضمور ديموغرافي وسياسي أصاب المكونات الطائفية الأخرى، وخصوصاً المسيحيين...

 

هذه "المدرسة" تلقنها الحريري الابن من "حاشية" الأب بعد استشهاده، تبناها بحذافيرها وتعامل مع حلفائه المسيحيين كملحقين "بالثورة"، ودخل في مغامرات غير محسوبة أدت في نهاية المطاف الى هزيمة مدوية لمشروعه السياسي.. عندما عاد الجنرال ميشال عون من منفاه الباريسي قائداً أساسياً ومؤثراً في حركة 14 آذار، تآمر عليه كل رفاق "السلاح" لعزله وتحجيمه، ثمة من أقنع الحريري أن الجنرال خطر عليه ولا مصلحة بأن يستعيد المسيحيين دورهم "القيادي"، كان وليد جنبلاط أكثر المتحمسين والواعظين في هذا الأمر، فأحرج عون ثم أخرج من "الثورة" وبقيت الحروب المتنوعة الأشكال تخاض ضده، وانتهت القصة في كنيسة مار مخايل عبر وثيقة تفاهم "تاريخية" مع حزب الله.. كانت كارثة سياسية بكل ما للكلمة من معنى بعد أن حصل حزب الله على مظلة مسيحية كان يفتقدها وانتهت محاولة عزل الجنرال بفك العزلة عن الحزب...

 

أما القوات اللبنانية فلم تكن حظوظها أوفر مع "المدرسة الحريرية"، حيث كانت الطرف الأضعف في لعبة التوازنات الداخلية في 14 آذار، بدليل عدم التوقف أبداً عند رأي "الحكيم" في أي من الاستحقاقات الجدية، فكانت القوات تعترض، وترفض، وتواجه، وكان تيار المستقبل يفاوض ويشكل الحكومات بمعزل عن هذا الاعتراض، وكان جعجع يصاب بخيبة أمل تلو الأخرى الى أن جاءت "الطامة الكبرى" بتبني الحريري لترشيح الوزير سليمان فرنجية للرئاسة، ظناً منه أن في الأمر احراج كبير لحزب الله "ودق أسفين" بينه وبين حلفائه...  مرة جديدة حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر"، نجا الحزب "بحنكة" من "الفخ"، في المقابل أدركت القوات اللبنانية أنها "صفر على الشمال" في المعادلة، لم يتأخر الرد فكان خيار تجرع "السم البرتقالي" بعد أن جعل منه أداء الحريري السياسي الدواء الأخير لإنقاذ ما يمكن انقاذه من "ماء الوجه" والحيثية لدى فريق مسيحي ظن لوهلة أنه قادر على انتاج شراكة ناجحة مع "التيار الازرق"، لكن كل التجارب انتهت الى الفشل، فكان الانقلاب "النكاية" لقطع الطريق على تفاهم الحريري- فرنجية وكان الرهان والقناعة بأن حزب الله لا يريد عون رئيساً، فظنت معراب أنها ستكون قادرة على وراثة التيار البرتقالي عبر «بيعه» «سمكا في البحر»، لكنها اكتشفت متأخرة أيضاً أنها لا تقرأ جيداً ما يدور في "عقل" قيادة حزب الله...

 

والدليل على ذلك أن "الحكيم" والدائرة الضيقة المحيطة به ظلوا متمسكين "بحبال الهواء" حتى عصر يوم الأحد الماضي، بانتظار خطاب السيد نصرالله، حيث كانت حظوظ إقدامه على عرقلة الاستحقاق الرئاسي من خلال طلب تأجيل الجلسة الى أجل مسمى أو مفتوح، قائماً في حساب قيادة القوات التي كانت تروج في أوساطها بأن حزب الله لن يتمكن من تجاوز اعتراضات الرئيس نبيه بري، المنسقة بين الطرفين، وسيكون الحفاظ على "البيت الشيعي" ذريعة لنسف تفاهم الحريري - عون وانهيار حظوظ الجنرال الى "أبد الأبدين".. لكن كل هذا لم يحصل، أقر "الحكيم" أنه لم يفهم حزب الله جيداً.. ودخل فريق 14آذار مرحلة البحث عن كيفية "هضم السم" بعد أن أصبح تجرعه واقعاً معاشاً منذ اليوم...

 

هكذا أنهى حزب الله مشروع "الغلبة" السعودية الممتد من الطائف حتى يومنا هذا، سجل لحلفائه في المنطقة انتصاراً سيضاف إلى أوراق القوة على طاولة المفاوضات، طبعاً لم يواكبه حلفاؤه المحليون كما يجب في هذا الاستحقاق، رئيس المجلس النيابي نبيه بري والوزير سليمان فرنجية تعاملا مع الحدث انطلاقا من "منظور" محلي ضيق، كادت تضيع معه مفاعيل الانتصار الاستراتيجي المحقق بوصول "الجنرال" الى قصر بعبدا، تم استدراك الأمر بتراجع "زعيم المردة" خطوة الى الوراء، عبر "معادلة" الورقة البيضاء، نجح حزب الله في "تطويع" مواقف الحزب القومي السوري، وحزب البعث العربي الاشتراكي والنائب طلال أرسلان، بقي الرئيس بري أسير مواقف انفعالية غير مبررة، لكن اصطفاف حلفاء سورية في لبنان وراء خيار حزب الله الرئاسي أعاد المشهد إلى مربعه الأول، وأهدافه الحقيقية، بعد أن كاد "الفاجر يأكل مال التاجر" ويتحول انتخاب الجنرال عون "زورا" وكأنه خيار لقوى 14 آذار...
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=40790