وجهات نظر

التحشيد السعودي لمواجهة قانون الكونغرس يتصاعد

عبد الباري عطوان


الاعلام تايم_رأي اليوم
إصدار الكونغرس الامريكي ما يسمى "بقانون العدالة ضد الارهاب"، الذي يجيز لعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) بمقاضاة دول مثل السعودية، ومطالبتها بتعويضات مالية ضخمة، يؤكد أمراً مهماً يجب التوقف عنده باهتمام، وهو أن المملكة العربية السعودية، وربما العرب جميعا، لم يعودوا حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة الامريكية.
الرئيس الامريكي باراك اوباما أشار مبكرا الى هذا التحول في سياسة بلاده تجاه المملكة في حديثه المطول الى مجلة "اتلانتيك"، عندما قال ما معناه، إن على المسؤولين السعوديين أن يدركوا أ ن مرحلة الركوب المجاني على ظهر الولايات المتحدة، وخوض الحروب نيابة عنهم قد انتهى، وأن الاخطار الداخلية التي تواجهها المملكة هي الاكثر تهديدا لها، وليس الخطر الايراني الخارجي.
القيادة السعودية بدأت تشعر بخطر هذا التحرك من قبل الكونغرس وجديته، ولم تعد تراهن على وعد الرئيس اوباما باستخدام "الفيتو" لإجهاض هذا القانون، لان من الواضح، ومن خلال حدة الهجمة عليها، أن احتمال إقرار القانون في الكونغرس لاحقا، بضمان تصويت ثلثي الاعضاء في مجلس النواب والشيوخ كبيرا جدا، ولهذا بدأت تتحرك على صعيدين في الوقت الراهن:
الاول: تحشد أكبر قدر ممكن من الدول العربية والاسلامية لإظهار معارضتها له، والتركيز على نقطة مهمة وهي أن اقرار الكونغرس له وتصديقه عليه، سيؤدي الى حالة من الفوضى، وتشكل انتهاكا لحصانة الدول، وينعكس سلبيا على جهود مكافحة الارهاب.
الثاني: تشكيل لوبيات في الولايات المتحدة من كبار المسؤولين السابقين مثل دينيس روس، مساعد وزير الخارجية الاسبق، لدعم موقفها، وتحسين صورتها، ونفي تهمة الارهاب عنها، ولوحظ أن المستر روس نشر مقالا يوم 8 ايلول (سبتمبر) الحالي في صحيفة"الواشنطن بوست" تحدث فيه عن انطباعاته عن زيارته قبل ايام الى الرياض ضمن وفد كبير، أكد فيه أن القيادة السعودية تقوم بعملية إصلاح شاملة، وثورة حقيقية للتغيير تتخفى خلف رؤية الامير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، الاقتصادية، وتحارب التطرف وتعمل على تحديث البلاد.
مهمة القيادة السعودية تبدو صعبة، ولا نقول مستحيلة، فعدد الدول التي حشدتها لمساندتها في مواجهة الكونغرس لا يزيد عن دول التحالف العربي الذي تقوده في حربها في اليمن، أي دول مجلس التعاون الخليجي (باستثناء سلطنة عمان)، السودان والاردن والمغرب علاوة على باكستان، أما فرص نجاح اللوبي الجديد التي تعمل على تأسيسه ودعوة مسؤولين سابقين لزيارتها، فتبدو محدودة لان الوقت قد يكون قصيرا أمام هذا اللوبي لتحقيق أهدافه، وهي منع صدور القانون، ولكن لا بأس من المحاولة.
المبالغ التي يمكن أن تدفعها المملكة في حال نجاح عملية الابتزاز الامريكية هذه، ويقودها الكونغرس، ضخمة جدا، وهناك تقديرات أولية تقول بأنها قد تصل الى 3.3 ترليون دولار، بمعنى آخر أنها لن تتوقف عند تعويض أسر الضحايا، وإنما قد تصل لخسائر افتراضية مادية ومعنوية ونفسية ايضا، فعمدة نيويورك وحده، يقدر خسائر ولايته بحوالي 95 مليار دولار، وعلينا أن نضع في حسابنا خسائر شركات الطيران، وربما حروب أمريكا في العراق وافغانستان، وتكاليفها التي جاءت كرد فعل على هجمات سبتمبر.
الجدل الماراثوني مع دول تمارس "البلطجة" على مستوى العالم بأسره لا يفيد، ولا يعطي اي نتائج، خاصة استخدام مقولة انتهاك القانون الدولي وحصانة الدول، فمتى احترمت الادارات الامريكية هذا القانون، ومتى التزمت بحصانة الدول؟ الم يشكل غزو العراق وحصاره وتدميره وقتل مليونين من ابنائه انتهاكا لهذا القانون؟ الم يشكل التدخل العسكري في بلدان مثل ليبيا، وتغيير انظمتها، انتهاكا لحصانة الدول؟
المشكلة الاكبر التي تواجه المملكة وقيادتها وهي تواجه عملية الابتزاز الامريكية، تتمثل في حروبها في سورية واليمن والعراق، وتخلي حلفائها عنها في اللحظة الحرجة، فتركيا اختارت المصالحة مع روسيا، وتتفاوض سراً مع الحكومة السورية، وقطر، وعلى لسان اميرها، طالبت بالحوار مع ايران لحل المشاكل مع دول الخليج، وسلطنة عمان نأت بنفسها عن حروبها، أي المملكة، في اليمن وسورية وايران، وباكستان لم تدعم المملكة الا بالكلام والبيانات الصحافية، وصوت برلمانها بالإجماع على عدم التدخل عسكريا في اليمن.
ومن المفارقة انه في الوقت الذي تحاول فيه المملكة تحسين صورتها في امريكا والغرب عموما، يخرج مفتيها الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بتصريحات تنسف كل هذه الجهود، وبالتأكيد على أنها لم تتغير مطلقا، وان الفكر الوهابي في ذروته، عندما يُخرج ايران ومئات الملايين من الشيعة وفروعها من ملة الاسلام، فماذا يفيد الاصلاح في الغرب، والتخريب في العالم الاسلامي، العمق الحقيقي للمملكة، والورقة التي استخدمتها دائما لتعزيز موقفها وقيادتها للمسلمين بحكم مكانتها الدينية.
إن أكثر ما نخشاه أن يدفع اللوبي الامريكي الجديد الذي تؤسسه المملكة بقيادة دينيس روس وغيره، القيادة السعودية تجاه اسرائيل، والتقارب معها باعتبارها خشبة الخلاص، تحت عنوان نفوذها الكبير في الكونغرس، وسمعنا زلماي خليل زاده السفير الامريكي الاسبق في العراق وافغانستان، وأحد ابرز داعمي الحرب في العراق، يقول وبعد زيارة الى الرياض، أنه سمع من مسؤولين سعوديين، من كبار القوم، يؤكدون أن اسرائيل لم تعد عدوا في نظرهم.
المعضلة الابرز بالنسبة للقيادة السعودية أنها كسبت بعض الحكومات العربية الانتهازية، ولم تكسب الشعوب العربية والاسلامية، أو معظمها في صفها، والاسباب تحتاج الى شرح طويل، ليس هذه المساحة مكانها على اي حال.
السعودية، ونقولها مرة أخرى، بحاجة الى مراجعات شاملة لكل سياساتها، و"رؤية 2030" لا يجب ان تكون اقتصادية جافة، وإنما برنامج إصلاح سياسي واجتماعي شامل داخلي وخارجي يرتكز على ثوابت الامة وعقيدتها.
لا بأس أن تؤسس القيادة السعودية لوبي أمريكي وترصد له ملايين الدولارات، ولكن هي أيضا بحاجة الى لوبي سعودي، وآخر عربي، وثالث إسلامي، ورابع عالم ثالثي، لان صورتها ليست جيدة في كل تلك المحاور التي تشكل أولوية ملحة ايضا في مواجهة التغول الامريكي.
كنا دائما ضد الابتزاز والبلطجة الامريكية، ونحذر منها منذ أن بدأت ارهاصاتها في العراق قبل ربع قرن، وربما أكثر، ولكن لم يستمع الينا، وغيرنا كثر، أي أحد، خاصة في المملكة.
لا نريد فتح الجرح، ولكن ما زالت هناك فرصة للانقاذ اذا سادت الحكمة والحكماء الذين جرى تنحيتهم جانبا في المملكة والمنطقة العربية بأسرها، وبتحريض أمريكي إسرائيلي، ولمصلحة جيوش المنافقين.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=39330