وجهات نظر

القُطَب المنسية في التدحرج التركي ..!!

علي قاسم



الإعلام تايم - الثورة

لا تقدر الكثير من التسميات التي أطلقتها وسائل الإعلام لتوصيف ما جرى في تركيا على التعبير الدقيق عن التفاصيل الملحقة، كما تعجز عن الاتفاق على عنوان يصلح لإيجاز الكمّ المتواتر من الاحتمالات والقراءات المختلفة والمتعارضة، حيث التداعيات لا تزال في طور التراكم الجزئي حتى اللحظة، ومن المبكر الجزم بأي اتجاه يمكن أن تسير كرة الثلج التي تدحرجت باعتبارها الشيء الوحيد المحسوم فعلياً، وقد علق بها ما علق وتناثرت وراءها بقايا ونتف مقولات واعتقادات لا تنتهي.‏

فالقُطَب التي بدت في لحظاتها الأولى مخفية تتكشف تباعاً، وكثير منها كان غير مرئي بحكم التسارع والاندفاع في وتيرة التطورات والتضارب في المعلومات والتفاصيل، وحتى المواقف التي بدت أقرب إلى كومبارس يردد ما يصل إليه من رجع الصدى عن مسرح الأحداث الفعلية على الأرض، بينما التجاذبات والتفسيرات والتحليلات كانت تحاول أن تلهث خلف الكرة المتدحرجة من دون توقف، ومن دون أن تتيح الفرصة لالتقاط الأنفاس وسط تموجات تنقل المشهد من ضفة إلى أخرى، ثم تعاود لَعق ما سبق لها أن أطلقته على وقع انهيار في المؤشرات المتسرعة والمتعجلة في إطلاق الأحكام.‏

الثابت الفعلي، بعد كل هذا التجرد مما علق، أن حملة الانتقام الهستيري التي كان ينتظرها أردوغان جاءت من حيث لم يكن الكثير يرغبون فيها أو يتوقعونها، وهي تكفي لإعادة النظر في الكثير من القُطَب المنسية عن سابق تعمُّد وإصرار، رغم أن تجاهلها سيكون مستحيلاً، بعد أن تهدأ عواصف التخمينات والتحليلات، وينقشع غبار الحمم التي تراكمت حول فوهة البركان التركي، وهي تقذف برسائل متناقضة وبعضها مستهلك، ومن دون توقف.‏

فالإعفاءات التي طالت بالجملة السلك القضائي وستنسحب بالضرورة على غيره، تشير بوضوح إلى أنها مُعدّة مسبقاً، ولم تكن في أي حال وليدة الانقلاب المزعوم، لأن السلطات التركية حتى لحظة إقرار تلك الإعفاءات لم تكن قادرة أصلاً على حسم اتجاهات المواجهة، وكانت الكثير من النقاط لا تزال عالقة، والأهم أن الكثير من الأمور لم تُحسم حتى عسكرياً، فكيف بها تعزل وتحاسب وتنفذ داخل المؤسسة القضائية ببضع ساعات، وبعض المصادر تقول إنه احتاج لبضع دقائق.‏

لا نريد أن نبني على ظاهرة واحدة كي نصل إلى ما قلناه عن القطب المنسية، التي يحاول نظام أردوغان أن يحجب شمسها بغربال من التوهيمات والأكاذيب المتعمدة والتسويفات المقصودة، وسط سيل من التداعيات المرافقة أو الموازية لها، حيث الافتراض أن الاتجاه كان يقتضي السير بحملة الانتقام من المؤسسة العسكرية، وأن يتم تجريدها من آخر أوراقها الشعبية، حين تعمّدت شرطة أردوغان أن تقزّم وجودها وأن تتعمّد إذلالها أمام مرأى ومشهد الجميع، في سابقة لم تحصل في دولة من قبل، وتحديداً في تركيا، حيث المؤسسة العسكرية كانت تشكل في بعض تجلياتها حدود التقديس لجهة دورها وموقعها في الوجدان التركي.‏

فهذه المؤسسة التي كانت هدفاً واضحاً لنظام أردوغان ولحزب العدالة والتنمية، يُراد لها اليوم أن تكون آخر الأوراق المحترقة، بينما رمادها المتطاير يصلح ليشكل حقبة من التسلط الأردوغاني وحزبه، وأن تكون الإخوانية بديلاً متعمّداً للعقيدة العسكرية، وأن يكون التنظيم الحزبي والمناصرون خياراً وبديلاً من المؤسسة العسكرية ذاتها، حيث المشهد كان يشي بأن تنظيم المناصرين وانضباطهم وانسيابية تنفيذ الخطوات يفوق المؤسسة العسكرية بخبراتها وما راكمته تجاربها وتجارب غيرها، وتدرج المسؤوليات بتداخلها، حين أراد أردوغان أن يقول رسالته بأن محازبيه وشرطته واستخباراته السرية منها والعلنية، أكثر مقدرة من كل ما هو متوافر من عراقة مؤسسة عسكرية مشهود لها بالانضباط وفق التوصيف السياسي الغربي على الأقل.‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=37071