وجهات نظر

أي تهدئة مع النصرة أو أخواتها..؟!!

علي قاسم



الإعلام تايم - الثورة


يكثر الحديث عن التهدئة في حلب وعن مكوناتها والأطراف الداخلة فيها، وعن دور الضامنين لها، وإلى أي مسار يراد لها أن تؤخذ، وتحولت بين ليلة وضحاها إلى الهم والاهتمام، رغم أنها تضيف عشرات العقبات والعراقيل التي تؤخر مكافحة الإرهاب، وتراكم من متاعب السياسة أكثر مما تساهم في دفعها، وتطرح أسئلة أكثر بكثير مما تقدم إجابات، وفي المقدمة هل باتت التهدئة مع النصرة المصنفة إرهابيا وأخواتها أمراً مجازاً في العرف الدولي، وهل وقف الأعمال القتالية ينسحب أيضاً على الإرهابيين الموصوفين؟!!‏

 

الإجابة المباشرة تكاد تقلب المعادلة رأساً على عقب، وربما تجزم في بعض التفاصيل أن الأمر هو كذلك على الأقل أميركياً، إلى الحد الذي كانت فيه أميركا تريد أن تحيّد المواقع التي تضم النصرة من أي عمليات عسكرية، وأن تبقى في مأمن من الاستهداف، ومع ذلك لا يعني أن فشلها قد أنهى المحاولة، بل هناك تصميم من قبل أميركا وإرهابييها "المعتدلين" على أن تكون النصرة جزءاً من المشهد.‏

 

الأخطر .. ذاك الذي يتم الإقرار به ومن دون أي التباس في قراءة خارطة التهدئة، التي تتحدث عن مواقع بعينها، وعن أماكن بذاتها، رغم المعرفة الأكيدة بأنها تتحرك وفق مقاسات الإرهابيين، وحسب رغبة النصرة في التخطيط والتنسيق.. وفي الهجوم والدفاع على حد سواء، وهي ترسم خطاً من الخرق المستمر ومن دون توقف، ولم تكن سوى دقائق حتى كان الخرق من قبل التنظيمات التي تعتبرها أميركا في صف معتدليها وتريد حمايتها، بل تعتبر مجرد التفكير في الردّ عليها خرقاً للتهدئة، أما الحديث عن حتمية الانتصار على الإرهاب فقد بات في العرف الأميركي خروجاً على الخطوط الحمر!!‏

 

لا نبالغ إذا قلنا إن الأمر أكثر صعوبة حين يتعلق بالتفاصيل التي تمر أمام الأعين، رغم ما في العناوين من ملاحظات صادمة حتى في المفردة المستخدمة وفي المصطلح، ناهيك بالمضمون وما يمر فيه وما يتم التسويق عبره، حيث يعود السؤال إلى مربعه الأول منذ بداية الأزمة وحتى اللحظة، عن طبيعة الأزمة.. مسبباتها والعناصر الفاعلة فيها، لتواجه الخلاصة الصادمة بأن وقف الأعمال القتالية كما كان قبلها وبعدها التهدئة أو غيرها ليس أكثر من فرصة لكي يسترد الإرهابيون أنفاسهم المقطوعة، ولكي يعيد الرعاة والمشغلون ترميم صفوفهم وإعادة تسليحهم بما تحتاجه الجولة القادمة والمعركة التالية.‏

 

لسنا ضد التهدئة، بل رأينا أن فيها بارقة أمل يمكن أن تخفف من معاناة السوريين، لكن في الوقت ذاته من الصعب بل من المستحيل أن يقنعنا أحد بأن ما يجري من تجاوزات هو لخدمة التهدئة، وأن التغاضي عن وجود النصرة وعن التحالفات التي تعقدها التنظيمات الإرهابية معها هي حفاظ على التهدئة، أو أن التحالفات المعلنة أو المضمرة والحشد الإرهابي والمؤازرة من كل التنظيمات الإرهابية تجري من دون تنسيق مسبق مع المشغلين الإقليميين، وبموافقة مسبقة من الراعي الأميركي، وإلا لما وجدنا هذه الاستماتة في تحييد المواقع التي تضم النصرة مع مشتقاتها وأخواتها من التنظيمات الأخرى.‏

 

في القراءة البسيطة التمهيدية لما يجري، وفي محاولة الإجابة عن الأسئلة المستحيلة التي تستدرجها التطورات لا بد من التوقف عند جملة من الثنائيات التي تتناغم مع بعضها في سياق ارتفاع وتيرة المبازرة السياسية، التي فسرت ما كان يصعب تفسيره، وشرحت ما تعثر شرحه في مراحل سابقة، حيث الصمت الأميركي على مشاركة داعش في هجوم الإرهابيين على خان طومان وهو الموثق بالصورة وبالبيان وبالمواقف المعلنة من قبل التنظيمات الإرهابية يعيدنا إلى ردهات المربع الأول للسؤال: ما الفرق الذي وجدته أميركا أو اكتشفته بين النصرة وداعش، وبينهما وبين سائر التنظيمات الأخرى الموازية لهما، والتي هي مشتقة بعناصرها وشعاراتها وتمويلها وتجنيدها ودعمها من النصرة وداعش ذاتهما..؟!!‏

 

نجزم أن أميركا تعرف إلى حد اليقين.. وتتابع كيف يتغير الشعار، وكيف تتبدل الراية، وبأي طريقة يتم إطلاق التسميات واستبدالها، ولا يخفى على أحد أي هدف تضعه أميركا نصب عينيها، وهي تنطق باسمهم وتفاوض بالوكالة عنهم، وتتبنى مطالبهم وشروطهم، وتصارع وتجابه من أجل رفع معنوياتهم ومنع انهيارهم، وكيف تفّوض مشغليهم ليكونوا وكلاء حربها .. وكلاء الخراب والدمار الذي تنشره غرباً وشرقاً.. شمالاً وجنوباً وعلى اتساع المنطقة وما يحيط بها.‏

 

المسألة ليست في صعوبة فصل أميركا لمعتدليها عن النصرة، وليست في استحالة التفريق، ولا متاهة الإدارة لصنوف متناحرة وتنظيمات وفصائل وتشكيلات تتنازعها الأهواء الشخصية والخلافات، كما تربطها مصادر التمويل والتسليح الإقليمي المتنوعة، بل في عدم رغبة أميركا بهذا الفصل ومراهنتها على الإرهاب بوجوهه المعتدلة والمتطرفة، ليكون الورقة الدائمة المشهرة أولا، وثانياً لأنه لا فرق ولا تفريق بين تنظيمات اتخذت تسميات واستندت إلى مرجعيات، لكنها من جذر واحد ومن أصل واحد وفي تبني الإرهاب سواء.‏

 

فالتهدئة مع النصرة أو أخواتها ومشتقاتها خروج على القانون الدولي ولي قسري لذراع الشرعية الدولية، واستباحة لا نعتقد أن من مصلحة العالم أن يتعامى عنها أو يتجاهلها، حتى لو كانت الذريعة الحفاظ على وقف الأعمال القتالية أو منع انهيار التهدئة، فكلاهما لا مستقبل له، ولا إمكانية لبقائه مع بقاء الإرهاب أو استمرار تنظيماته، حتى لو حاول البعض الدولي مع الأميركي، حيث لا يمكن لشمس الواقع والمنطق أن تُحجب بغربال النفاق الغربي.‏

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=34621