وجهات نظر

روسيا .. وحرب كشف العورات في سورية

محمد عبد القادر


هل يصل قطار التصعيد إلى محطة المواجهة المباشرة؟ هذا السؤال فرض نفسه على الصعيد الدولي في ظل توتر العلاقات القائم ما بين موسكو وأنقرة بعد حادثة إسقاط تركيا الطائرة المقاتلة الروسية"سو-24"، خاصة مع تمسك روسيا باعتذار رسمى من جانب السلطات التركية، واكتفاء تركيا بإبداء "الأسف" على لسان رئيسها.

 


ورغم استبعاد العديد من المحللين والمراقبين سيناريو الحرب ما بين البلدين، فإن هذا لم يمنع من ذهاب البعض إلى توقع اللجوء إليه فى ظل حالة التوتر القائمة والاتجاه نحو التصعيد، كذلك السؤال حول إمكانية تطور المعركة بالتبعية فى حالة وقوعها إلى مواجهة مباشرة ما بين روسيا وحلف شمال الأطلنطى"الناتو"، الذى هرعت تركيا للاحتماء به.

 


وعلى ما يبدو فإن الجواب لم يتأخر كثيراً، لا سيما من جانب حلف الناتو نفسه، الذي دعا البلدين على لسان أمينه العام ينس ستولتنبرج إلى ضبط النفس والعمل على تجنب تصعيد التوتر، بل إنه وعلى عكس المتوقع، أعلن ستولتنبرج استئناف التعاون مع موسكو فى إطار مجلس "روسيا- الناتو"، الذي تم إيقاف التعاون بين الجانبين من خلاله بعد ضم روسيا القرم فى مارس من العام الماضي، وذلك على الرغم من اللعب على الجانب الآخر بورقة ضم "مونتينيجرو" إلى الحلف للاحتفاظ بورقة ضغط على موسكو.

 


أما في واشنطن، فقد جاء رد الفعل متوافقاً مع رد الحلف، حيث لم يخرج عن حدود الدعوة المقدمة إلى الجانبين بخفض التوتر، بل إن البنتاجون أبدى عدم اقتناعه بالرواية التركية للحادثة، وأكد فى بيان له أن البيانات المأخوذة من مسرح العمليات توضح أن الطائرة الروسية حلقت بضع ثوان فقط فى المجال الجوى التركى .. ثوان قليلة كانت كافية لتحذيرها عشر مرات ثم إسقاطه


على الجانب الآخر، أعلن سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسى ومنذ بداية الأزمة "لا ننوى شن حرب ضد تركيا"، إلا أنه عاد ليؤكد على أن الحادث "أمر مرفوض وغير مقبول"، وعلى الأرجح لن يسفر لقاؤهما المقترح هذا الأسبوع عن شيء لأن لافروف قال من الآن نريد أن نسمع شيئاً جديداً فى هذا اللقاء.

 


وفي اتصال هاتفي مع نظيره التركي مولود تشاوش عقب الحادث، أعاد لافروف إلى الأذهان رد فعل إردوغان على حادث إسقاط مقاتلة تركية فوق ريف اللاذقية من جانب سلاح الجو السوري في 22 يونيو 2012، وكان يشغل وقتها منصب رئيس الوزراء، حيث قال إن"اختراق قصير للأجواء لا يجوز أن يعتبر ذريعة لاستخدام القوة". وأضاف لافروف "لم يتمكن تشاوش من الرد علي، بل أصر على أنه لم يكن فى المقدور تحديد أو التأكد من هوية الطائرة".

 

فى السياق نفسه، وعلى عكس ما وضح لإردوغان وكأنه رد "فعل عاطفي" أو "انفعالي" من جانب الرئيس بوتين على الحادثة، كما وصفه على هامش قمة المناخ بباريس، فإن حقيقة الأمر تشير إلى أن رد فعل موسكو العسكرى كان مدروساً، وكأن ما وقع من "تحرشات" سابقة للطيران الروسى للأجواء التركية منذ مطلع أكتوبر الماضى بمثابة خطة ممنهجة وصولاً إلى لحظة رد الفعل التركي غير المحسوب العواقب على ما وصف سابقا بـ"الاستفزازات" الروسية.

 


فما كان متصوراً من أنه سيكون وعلى ما يبدو بمثابة طلقة تحذير تركية إلى روسيا تحولت إلى ضربة قاصمة لأحلام تركيا في سورية، والتي لم تعد فقط مجرد أهداف في مرمى نيران الضربات الجوية الروسية منذ بدايتها فى 30 إيلول، بل أنها ذهبت أدراج الرياح بعد حادثة السوخوي، حيث تكبدت تركيا العديد من الخسائر فى ميدان الحرب الجارية في سورية الآن، وعلى رأسها.

 


أولاً : ضياع حلم المنطقة العازلة التي طالما دعت إليها أنقرة، حيث إعلان موسكو نصب صواريخ "إس- 400" فى حميميم، ومثلها على سفنها المرابطة عند اللاذقية، إلى جانب تزويد طائراتها بصواريخ"جو- جو"، مع الدفع بالطراد الحربى"موسكفا"، وهو ما يعني أن المنطقة العازلة قد أقيمت بالفعل تحرسها الصواريخ والطائرات جواً والسفن الروسية بحراً، وقوات الجيش السوري أرضاً، لتتحول إلى منطقة عازلة فى وجه تركيا نفسها.

 


ثانياً : تكثيف الطائرات الروسية ضرباتها على مواقع الفصائل المسلحة التى ترتبط بتركيا ارتباطا وثيقاً، وعلى رأسها (جبهة النصرة) وحركة (أحرار الشام)، علاوة على تكثيف الضربات على مواقع تنظيم (داعش) الذى يقوم بتهريب البترول السورى ويبيعه في الأسواق التركية مقابل تزويده بالسلاح، الأمر الذى أدى إلى قطع يد تركيا في سورية، بل وزاد من تهميش دورها فى تشكيل ملامح مستقبلها أو التأثير على مسار العملية السياسية الجارية.


ثالثاً : زيادة القصف الجوي الروسي على منطقة "جبل التركمان" في ريف مدينة اللاذقية، مما أدى إلى سقوط المنطقة فى يد قوات الرئيس السورى بشار الأسد، وهو ما أغضب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي أكد أن حكومته تقدم السلاح للمقاتلين التركمان من"إخواننا وأخواتنا" الذين "يدافعون عن أنفسهم ومناطقهم فى وجه نظام ظالم"، وهو ما عنى قطع ذراع أخرى كانت تعمل تركيا من خلالها على إسقاط نظام الأسد أو على الأقل اقتطاع جزء من سورية المستقبل.

 

رابعاً : التنسيق العسكري الروسي مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي طلب المشاركة في العمليات العسكرية الروسية في مواجهة (داعش)، من ثم أصبح حليفاً لموسكو رغم ما تعتبره أنقرة من امتداد لمنظمة حزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي في تركيا، من ثم تعتبره تهديداً لأمنها القومي.

 


خامساً : تعرض سمعة تركيا للخطر، وإهانة إردوغان أمام العالم، بعد كشف روسيا "بالأدلة" تورط حكومة أنقرة فى تهريب بترول داعش وشرائه مقابل السلاح والعتاد.

 


وهكذا فإنه وعلى منوال مقولة "الانتقام نار تحرق صاحبها قبل أى أحد"، بات إردوغان يكتوى بالنار التي أشعلها بإسقاط المقاتلة الروسية، بل ويسعى جاهداً من أمام الستار وخلفها إلى إخمادها، قبل أن تمتد لتطال ورقة التوت التي ما زال بعض الحلفاء يوفرها له لإخفاء عورته، في الوقت الذي تكشف فيه الحرب الروسية في سورية عورات كثيرين، وليس إردوغان وحده.

 

 

الأهرام - الإعلام تايم

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=28911