وجهات نظر

أوباما قبل المغادرة… قيادة خلفية بأوراق إرهابية..!

عبد السلام حجاب


في منتصف الليل، وتحت ضوء قمر خجول، كان يذهب إلى نهر التايمز في العاصمة البريطانية لندن، فيخلع ثيابه على ضفته، وينزل في مائه، قاصداً الاغتسال والتطهر أملاً بتخليص روحه المعذبة من آثام ارتكابها في يوم طويل، هكذا أخبرنا الفيلسوف البريطاني كولن ولسن في أحد أهم كتبه.
فهل تكون دماء المواطنين الفرنسيين التي أريقت في ليلة باريسية، إنذاراً كافياً لحكومة بلادهم للاغتسال والتطهر من جريمة مساكنة الإرهاب والنوم معه في سرير واحد على حساب دماء السوريين وخياراتهم الوطنية بعد زمن من الخداع الدعائي، والترويج لأطماع استعمارية دام نحو خمس سنوات، وهو ما كشف عنه علناً رئيس الاستخبارات الفرنسية السابق بقوله: "إن فرنسا تدفع عواقب قرارات سياسية معينة، وعليها إعادة النظر في موقفها تجاه سورية"!؟


ثم هل لدى الإليزيه والخارجية الفرنسية ما يكفي من مياه صافية،  لتزيل آثار الإرهاب العالقة بهما، وهل يملك الرئيس هولاند بشعبيته المتدنية القدرة، فعلاً لا قولاً، على إنقاذ فرنسا من أخطائها السياسية بعد إذعان غير مسبوق لنهج أميركا بدعم الإرهاب وأجنداته الفاشية التي لا تعرف ديناً ولا وطناً ولا تعترف بحدود، فيدرك أن السياسات الخاطئة تؤدي إلى نتائج كارثية لا تفيد في تغييرها اجتهادات إعلامية بحسب مقاييس واشنطن وحلفها الإرهابي، ومقايضة بيع مبادئ فرنسا بأموال بني سعود ومشيخة قطر!؟


من الواضح بحسب ما تقدمه عناوينها، فإن السياسة الأميركية تعمل على تحويل التنظيمات الإرهابية إلى جيش من المسلحين يهدد العالم برمته، ما يعني الالتفاف على المبادرة الروسية التي أعلنها الرئيس الروسي بوتين بتشكيل جبهة دولية موسعة على قاعدة القانون الدولي لمحاربة الإرهاب.
بل يمكن القول إن واشنطن تبدو حسمت خيارها.


في وقت يقترب فيه الرئيس أوباما من مغادرة البيت الأبيض، حيث تصبح السياسات رهناً بالتنافس الانتخابي، الحاد في مظهره والشكلاني في جوهره وما يحتاجه هذا التنافس من تصريحات ومواقف باتجاه التحويل والتعويم لمرحلة قادمة ومتابعة الاستثمار بأوراق إرهابية محروقة تعكس حضورها في اتجاهين لسياسة أميركية دأبت أن تكون مزدوجة المعايير وهما:
الاتجاه الأول: ويكاد يكون مستبعداً ، يشي بأن الاستدارة الأميركية التي جرى التعويل عليها منذ التوافق بشأنها مع الجانب الروسي في موسكو، لم تتعد كونها حركة دعائية سياسية لكسب الوقت والمواقع، لكن المؤشرات تؤكد أنها فقدت صلاحيتها السياسية والدعائية، كما أن أميركا لا تريد استبعادها نهائياً، للاستثمار فيها عند الضرورة القصوى.


اتجاه ثان يبدو، أنه السائد حالياً في التحرك الأميركي ضد سورية وحلفها المقاوم بتنسيق وتعاون فاعلين مع الجهد العسكري والسياسي الروسي، يتركزان حول تفعيل سياسة القيادة من الخلف في مواصلة الحرب على سورية بواسطة الإرهاب لإطلاق خيارات سياسية مفتوحة تؤكد وجودها في المشهدين السياسي والعسكري في مواجهة الإنجازات الميدانية والسياسية الاستراتيجية التي يحققها التحالف الشرعي بين سورية وروسيا في ميدان القضاء على الإرهاب بدعم إقليمي ودولي واسع الطيف حيث تشكل إيران والمقاومة اللبنانية حجر الأساس فيه، كما تؤمن القيادة من الخلف الاستثمار في فرص غير مكلفة لتحقيق مكاسب ميدانية بوساطة إرهاب دولي مبرمج بشقيه المسلح والمشفر، ويقوم على دعمه وتمويله مثلث الأطراف في حلفها الإرهابي الذي يضم العثماني أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر.


لا شك أنه يتوضح كل يوم ما أكده الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع مجلة "فالوراكتويل" بأن كل من يحارب الإرهاب يحمي العالم بأسره، وأن البلدان التي تدعم الإرهابيين ليست جزءاً من الحل في سورية، وعليه فإنه على فرنسا أن تكون جادة عندما تتحدث عن محاربة الإرهاب.
وسوى ذلك لن يكون مفيداً إلا لخدمة أغراض سياسية قصيرة النظر ومحدودة الرؤية ومحاولات للالتفاف دون صدام ساخن مع الجهد الروسي السياسي والعسكري في سورية.


ما يؤكد أن، استعادة أميركا لسياسة القيادة من الخلف ليست رهاناً للخروج بأقل الخسائر بل أيضاً تعكس في تفاصيلها محاولة فرض مقايضات ميدانية لتأمين مصالح مثلث الدول الداعمة للإرهاب في الإقليم والمنطقة وفق منظور التقسيم والتفتيت للأرض وللشعب لمصلحة الكيان "الإسرائيلي"، واضعة في أولى خطواتها قضم النجاحات الاستراتيجية التي يحققها الجيش العربي السوري بإسناد شرعي وفاعل من القوات الجوية الروسية التي دعا الرئيس بوتين إلى عدم خفض وتيرتها أو مستواها المهني العالي للقضاء على الإرهاب الذي يشكل العقبة الرئيسية بوجه أي تقدم سياسي للحل، يريده السوريون بقيادة سورية، وقد لفت الوزير لافروف الاهتمام إلى أن الغرب أدرك بعد أحداث باريس أن الأولوية لمحاربة الإرهاب، معرباً عن استعداد بلاده للتعاون والتنسيق مع التحالف الدولي شرط احترام سيادة سورية، في وقت أشار فيه مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن بعد إقرار مشروع قرار فرنسي لمحاربة داعش بما يتفق مع القانون الدولي، إلى أن بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن تحاول عرقلة تبني المجلس مشروع قرار روسي لمكافحة الإرهاب، مؤكداً تمسك بلاده بمشروع القرار حتى إقراره، ما يتيح الاستنتاج بأن سياسة أوباما وإدارته ما تزال في المربع الأول من الحرب التي تقودها على سورية بوساطة الإرهاب والداعمين المعروفين له، متجاهلة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وهي /2170 و2178 و2199/ وجرى التأكيد في فيينا 2 على الالتزام بتنفيذ مندرجاتها وما نصت عليه من منع أشكال دعم الإرهاب وإيقاف مصادر تمويله وتجفيف منابعه.


إنه لا جدال في أن الحسابات والتكهنات والتوقعات أصبحت في عهدة سياسة أوباما العالقة بين عجلة الانتخابات المعطلة للعقل السياسي للتعامل مع عالم جديد وبين رهانات انتهازية محكومة بالفشل وينفخ في قربتها المثقوبة من لا يملكون غير النوم مع الإرهاب وإطلاق أحلام طوباوية حاقدة، من أهم مقوماتها الانتحار بالدمار على حين أن عجلة السوريين بقيادة الرئيس بشار الأسد، السياسية والميدانية تسير وفق الاتجاه المطلوب الذي تقرره إرادة السوريين الوطنية.


سواء في محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه أو في ميدان المسار السياسي الذي يمثل إحدى نقاط المحادثات المهمة في موسكو لوزير الخارجية وليد المعلم مع نظيره الروسي، وما يمكن أن يحقق على هذا المسار ومقدمته التخلص من الإرهاب بغية بلوغ الحل السياسي الذي يقرره الحوار بين السوريين بعيداً من المقايضات والإملاءات والشروط المسبقة التي أسقطها السوريون بصمودهم منذ زمن، وهو ما سوف تؤكده الأيام السورية القادمة في الميدان كما في السياسة.

 

 

الوطن - الإعلام تايم

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=28497