وجهات نظر

هل يذوب الجليد بين موسكو والغرب؟

هاني شادي


 

التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة «العشرين» الأخيرة في تركيا، بنظيره الأميركي بارك أوباما، حيث تركزت المباحثات بينهما على الأزمة السورية ومحاربة تنظيم «داعش». وهذا هو اللقاء الأول بين الرئيسين بعد بداية العمليات الجوية الروسية في سوريا. ويصف مراقبون روس وغربيون هذا اللقاء بأنه محاولة لــ «إذابة الجليد» بين البلدين والرئيسين الروسي والأميركي.

واللافت أن الرئيس الروسي بعد لقائه بالرئيس الأميركي على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، كان قد أعلن عن بدء العمليات الجوية في سوريا، هذه المرة بعد لقائه أوباما في تركيا، أعلن رسمياً أن تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء كان عملاً إرهابياً. وجاء هذا الإعلان الأخير بعد أيام قليلة من العمليات الإرهابية في باريس. ويبدو أن العمليات الإرهابية في باريس وضد الطائرة الروسية، قد تجعل الغرب يُعيد حساباته من سياسة موسكو في المسألة السورية.


فقد سارع الرئيس الفرنسي إلى مد جسور التقارب مع نظيره الروسي، وجرى الاتفاق على تنسيق العمليات عسكرياً ضد «داعش» في سوريا، كما جرى الاتفاق على زيارة هولاند إلى موسكو الأسبوع المقبل، تسبقها زيارته إلى واشنطن في 24 تشرين الثاني الجاري. وتتكهن مصادر روسية بأن هولاند قد يقوم بوساطة بين موسكو وواشنطن لتقريب المواقف بشأن حل الأزمة السورية. وقد يبدأ هذا الحل بالإعلان عن وقف لإطلاق النار في سوريا خلال أسابيع، كما صرح وزير الخارجية الأميركي مؤخراً.

واللافت أن الرئيس الروسي وصف البحارة الفرنسيين على متن حاملة الطائرات «شارل ديغول»، التي تتوجه حالياً إلى سواحل سوريا، بــ «الحلفاء». وكلف طاقم الطراد الصاروخي الروسي «موسكو»، الذي يدعم العملية الروسية في سوريا، بالتعاون مع السفن الحربية الفرنسية في توجيه الضربات لــ «داعش». كما أن مصادر أميركية أشارت إلى أن حاملة الطائرات «هاري ترومان» قد تبقى لفترة في البحر المتوسط لقصف مواقع «داعش» في سوريا بالتعاون مع القوات البحرية الفرنسية. ويتكهّن بعض المراقبين الروس بالتنسيق بين هذه السفن الثلاث، الروسية والفرنسية والأميركية، في محاربة هذا التنظيم الارهابي خلال الفترة المقبلة.


وفي سياق محاولات «إذابة الجليد» بين روسيا والغرب، أشاد الرئيس الأميركي من الفيليبين بالدور الروسي في سوريا، لافتاً إلى أن بلاده تدعم العمليات الجوية الروسية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وخرج المتحدث الصحافي للكرملين، دميتري بيسكوف، ليُعلن أن محاربة «داعش» هدف استراتيجي موحد لموسكو وواشنطن برغم وجود خلافات تكتيكية بينهما.

وتقول صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية في عددها الصادر 17 تشرين الثاني الجاري «إن واشنطن كانت تعتبر موسكو قبل أسابيع عدواً وخطراً مثلها مثل «داعش»، ولكنها باتت فجأة شريكاً لها في خطط القضاء على التهديدات الارهابية». وتؤكد الصحيفة، مثلها مثل وسائل إعلام غربية، أن بوتين وأوباما اتفقا على ان يقرر السوريون بأنفسهم كيفية انتقال السلطة تحت إشراف الأمم المتحدة. ولكن، وكما يبدو، يظل مصير الرئيس السوري مختلفاً عليه.

فقد صرّح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في الثامن عشر من الشهر الجاري، بأن تفاهمات فيينا لم تشر إلى عدم إمكانية مشاركة الأسد في الانتخابات المقبلة. ونقلت مصادر إعلامية عن مصدر مقرّب من رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، ان الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية اتفقوا قبل قمة «العشرين» على موقف موحّد من روسيا بشأن المسألة السورية، يتضمّن عدم إمكانية إبعاد موسكو عن الائتلاف الغربي العسكري المناهض لــ «داعش». وفي هذا السياق أعلن الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي أنه «لا يمكن أن يكون في سوريا ائتلافان لمحاربة الارهاب». ومن جانبه، شدد الرئيس الروسي خلال تصريحاته المتعدّدة في قمة «العشرين» على وجود شخصيات سياسية في اوروبا، مثل ساركوزي وكاميرون، تدرك أنه من غير الممكن تسوية النزاع السوري من دون التعاون مع روسيا، قائلاً: «إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تلعب دور الملقّن الذي يُملي على الجميع مواقفهم وتصريحاتهم».


وفي ضوء محاولات «إذابة الجليد» بين موسكو والغرب، سارعت موسكو إلى دعوة وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، لزيارتها الأسبوع المقبل. وهو ما قد يؤشر إلى قرب تنفيذ «تسوية ما» في سوريا بعد «تفاهمات ما» بين روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. ولكننا نعتقد أن هذه التفاهمات مازالت «هشة» نسبياً وتصطدم بحل مشكلة مصير الرئيس السوري. وفي حال تمتين هذه التفاهمات، سنكون أمام خطة مشتركة بين الروس والغرب لمحاربة «داعش» مصحوبة بخطة مشتركة لتسوية الأزمة السورية، تتضمن الحفاظ على مصالح القوى الكبرى في سوريا، وتوزيعاً مشتركاً أيضاً للتأثير والنفوذ والمصالح في الشرق الأوسط. فمن غير المعقول أن يجري القضاء على تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الارهابية، كما هو مُعلَن من قبل كل الدول المذكورة أعلاه، من دون تقاسم للمصالح والنفوذ بعد تحقيق هذا الهدف. وفي هذا السياق، قد يكون من الصحيح الحديث عن «يالطا جديدة».

وفي الوقت ذاته، ستكون كل الدول الإقليمية في وضع لا تُحسَد عليه، حيث سيتعيّن عليها القبول بالأمر الواقع الجديد ومحاولة تقليل خسائرها بقدر الإمكان. كما ستكون شعوب منطقتنا كذلك في وضع لا تُحسَد عليه، حيث سيتطلب الواقع الجديد منها لملمة أحلامها لبعض الوقت، تلك الأحلام التي انطلقت مع مطالبتها بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، والتي جرى تخريبها عبر «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية وتدخلات الدول الكبرى والإقليمية.

السفير

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=28406