وجهات نظر

فيينا "1" السوري.. دلالات وتقييم..

د. أمين حطيط


كتب د. أمين محمد حطيط مقالاً جاء فيه:

 

قد تكون النتائج التي أفضى إليها مؤتمر فيينا الدولي حول سورية، أقل مما يتوخى البعض، وقد تكون تلك النتائج ذاتها فوق ما توقعه البعض الآخر، لكننا وبموضوعية نقول إن مؤتمر فيينا أحدث مساراً جديداً متصلاً بالأزمة في سورية يختلف كلياً عما سبقه.

 

من شأنه أن يكون قاعدة انطلاق جدية لإيجاد مخرج يوقف العدوان الإرهابي على سورية والمنطقة ويمكن السوريين من ترتيب شؤونهم الداخلية بما يملكون من حقوق السيادة والاستقلال دون أن يكون للخارج أي حق في التدخل بتلك الشؤون أو أن يمارس ضغطاً أو إملاء على سورية لتكون خارج ما اختارت من هوية و مسار كما شاء أرباب العدوان.‏

 

لقد اختلف مؤتمر فيينا وما توصل إليه، اختلف عما سبقه في الشكل والمضمون، ما يمكننا وبشكل واقعي أن نتوقف عند العناوين التالية التي تبرز هذا التغيير.‏

 

ففي الشكل: قبل فيينا كانت المؤتمرات الدولية التي يزعم أصحاب الدعوة اليها أنها تعقد من أجل سورية، كانت مكان تآمر على سورية، ومكاناً لإنتاج صيغ سياسية أو تلويح بتدخل عسكري فيها لفرض وقائع تفقد سورية حريتها وسيادتها واستقلالها، ولذلك كانت تلك المؤتمرات تعقد في غياب كلي لسورية (حتى و تغييب سورية عن المنظمات التي تشكل هي فيها عضواً مؤسساً و فاعلاً في الأصل كما جرى الحال مع الجامعة العربية حيث علقت عضوية الوفد السوري فيها ) كما و غياب لحلفاء سورية الصادقين في حرصهم عليها، حيث كانت تنعقد المؤتمرات تحت اسم أصدقاء سورية و هم في الحقيقة خصومها وأعداؤها، كما وفي ظل محاصرة للأطراف التي تحاول احترام القانون الدولي العام وقواعده التي تنص على وجوب احترام سيادة الدول واستقلالها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، كما جرى مع روسيا و الصين في جنيف الذي تمخض عن البيان الملتبس المسمى بيان جنيف 1.‏

 

أما في مؤتمر فيينا1 فقد بدت الصورة مختلفة، وبات المشهد يظهر توازناً دولياً يملي العودة إلى قواعد القانون الدولي، حيث غيب عن المؤتمر بعض عتاة أدوات العدوان مثل قطر، وتم تجاوز أصوات آخرين مثل السعودية وتركيا رغم حضورهم، واكتفى بحضور مادي لدول أخرى مثل فرنسا، أما الفاعلون فقد كانوا تقريباً في شبه مناصفة بين حلفاء سورية وخصومها مع أرجحية للفريق الحليف لسورية وهذا ما انعكس على ما تضمنه بيان فيينا 1 في بنوده الـ 9 كما سنظهر في نقاشنا للمضمون.‏

 

كل ذلك ما كان ليحصل لو لم يكن هناك متغير أساسي ظهر في الميدان السوري وأظهر رجحان كفة سورية وجيشها المدعوم من محور المقاومة والقوات الروسية، رجحان اعترف به الأميركي علانية في موقف شكل رسالة إلى المؤتمرين في فيينا قبل 48 من انعقاد المؤتمر.‏

 

أما في نتائج المؤتمر فإننا نتوقف عند نقاط أساسية تبدو جميعها أو تكاد نقاطاً جاءت أخذاً بالمنطق السوري والموقف الذي أعلنه الرئيس الأسد منذ أربع سنوات تقريباً أي منذ بداية العدوان على سورية ويمكن التوقف هنا عند النقاط هذه والتذكير بما كان عليه الأمر قبلها:‏

 

كان التوافق واضحاً، أو لنقل كان تسليم من الجميع بأن الإرهاب الذي يعصف بسورية هو خطر يهددها ويتهدد العالم عبرها وأن الواجب والمصلحة الدولية أن يتم التصدي لهذا الإرهاب دون اشتراط أي أمر يؤجل أو يعطل هذه المواجهة.‏

 

كان إقراراً واضحاً بأن السلطة في سورية هي حق حصري للشعب السوري فهو الذي يعين حكامه وهو من يعزلهم ولا دور للخارج في هذا الشأن، موقف شكل بذاته رداً قاطعاً على كل أولئك الذين تشدقوا كثيراً في اشتراط من يبقى ليحكم سورية ومن يذهب.‏

 

كان تأكيداً على وحدة سورية ووحدة مؤسساتها وعلمانية الدولة، وفي ذلك رد واضح على جميع من حاولوا إقامة إمارات على أساس طائفي متحجر بعيداً عن روح الدين وفحواه ومارسوا تنفيذاً لذلك أبشع عمليات القتل والتهجير والاغتصاب وانتهاك الحرمات.‏

 

أما ما يقال عن فترات انتقالية وإعادة تشكيل السلطة فقد بات واضحاً بعد مؤتمر فيينا واحد أن أحداً لن يفرض على الشعب السوري أمراً لا يقره بإرادته الحرة لذلك فإن ما هو قائم يبقى قائماً من مؤسسات وأشخاص يشغلون مراكز الدولة وأن عملية الإصلاح والتغيير لا تتم ولا يعتد بها إلا انطلاقاً من العودة إلى الشعب سواء في ذلك عبر استفتاء على موقف أم دستور أم نظام أم عبر انتخابات حرة تؤدي إلى اختيار الأشخاص الذين يشغلون مراكز الدولة وأن في هذا الموقف صفعة أو ركلة وتسفيه لكل من جاء بمقولات "إسقاط النظام" أو "إسقاط الدولة السورية أو تغيير الحكام فيها وفقاً لإملاءات خارجية".‏

 

- من جهة مسؤولية الدول فقد كان واضحاً التركيز على المسؤولية الدولية عامة و مسؤولية دول الإقليم في مكافحة الإرهاب والتقييد بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وهو ما تطلبه سورية منذ البدء.‏
وفي تقييم عام نجد أن فيينا 1 انفصل عما كان قبله من مؤسسات ولقاءات ومؤتمرات كان يلتقي فيها أدعياء صداقة سورية و خصومها من أجل حبك المكائد والمؤامرات ونسج خطط العدوان و تمويل الإرهاب، و بات يشكل بذاته عملاً دولياً ذو طبيعة ومضمون ودلالة سياسية واستراتيجية مستقلة و قائمة بذاتها وإذا كان هناك محل للتشبيه فإننا نرى أن فيينا 1 السوري قد يتجانس في الطبيعة مع لقاءات فيينا حول النووي الإيراني و يكون العملين حلقات في سلسلة صياغة النظام العالمي القائم بعيداً عن الأحادية القطبية و سياسة الاملاء و الهيمنة الأميركية، و هنا لا بد من التنويه بموقف وزير خارجية روسيا الذي أصر على التحدث باللغة الروسية في المؤتمر الصحافي الختامي الذي جمعه مع كيري الأميركي الذي تحدث بالإنكليزية، في حركة مفادها أن العالم بات أمام توازنات جديدة كرسها الميدان وتؤكدها طاولات المفاوضات وتترجم أمام عدسات الإعلام، وفي هذا نتذكر ما كنا قلنا به قبل أربع سنوات تماماً من أنه من الرحم السوري يولد النظام العالمي الجديد وهاهو بدأ بالظهور و من البوابة السورية و هنا نستطيع أن نستنتج ما يلي:‏

 

- لن تقسم سورية ولن تكون مسرح نفوذ للاستعمار أو لهيمنة أجنبية.‏

 

- لن يمس محور المقاومة ولن يستطيع أحد أن يلغي حقيقة قائمة أن هذا المحور رقم صعب في المعادلة الإقليمية والدولية.‏

 

- أن المواجهة على الأرض السورية مستمرة إلى أن يقتلع الإرهاب أولاً، وأن الإصلاح السياسي المطلوب ليس عملاً يفقد سورية فعاليتها أو يعطل دورها الاستراتيجي الإقليمي والدولي.‏

 

أما في تقييم نهائي فإننا ننظر إلى مؤتمر فيينا 1 وما سيتبعه على أساس أنه ثمرة الصمود السوري و هو لن يكون أكثر من محل لإنتاج بيئة سياسية وميدانية تتيح للسوريين اللقاء والتفاوض لإنتاج حلول تعنيهم ويقبلها الشعب السوري، وتمكين سورية من الاستمرار في مواجهة الإرهاب كما ينبغي، وحتى لا نفرط بالتفاؤل فإننا نقول فيينا كانت محاولة يؤمل أن تنجح فان صدق من اعتدى والتزم بوقف العدوان يكون القطار قد وضع على سكة المخارج السياسية، وإن شاء الخداع كعادته فإن سورية وحلفاءها ماضون في المواجهة في الميدان حتى فرض ما لهم من حقوق.‏

 

 

الإعلام تايم

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=27742