وجهات نظر

سورية... معركة الجبهات العشر

حسن عليق


للمرة الأولى منذ بداية الحرب، يشنّ الجيش السوري حملات هجومية على أكثر من 10 جبهات، دفعة واحدة. الهدف الأوّلي: جسر الشغور، وطريق دمشق ــ حماه ــ حلب. ليست الطائرات الروسية وحدها ما أمّن هذه الاندفاعة. ثمة إعداد برّي بدأ من "الصمود الاستراتيجي" في الجنوب، وتأسيس "الفيلق الرابع"

 

في حزيران الماضي، خسر الجيش السوري السيطرة على مقر "اللواء 52" في ريف درعا الشمالي الشرقي. هذا التقدم الناجح لمقاتلي المعارضة في الجبهة الجنوبية، توّج سلسلة من الخسائر مُني بها الجيش والقوى الرديفة له في بصرى الشام وتدمر، وفي محافظة إدلب. حينذاك، باتت المعارضة تتصرّف كما لو أنها تقترب من حسم الحرب، من خلال الإطباق على العاصمة دمشق، وعلى محافظات حماه واللاذقية وطرطوس.

 

بعض مؤيدي المعارضين السوريين كانوا يتندّرون بالترويج لتسيير رحلات جوية من مطار الثعلة (شمال شرق درعا) إلى مطار دمشق الدولي. كانت الجماعات المسلحة تهاجم مطار الثعلة، المحاذي لمحافظة السويداء. لكن قادة الجيش السوري والقوى الرديفة له، في الجنوب السوري، كانوا يفاجئون سائليهم عن الاوضاع في ميدان معركتهم. ففي أجوبتهم، أظهروا في ذلك الحين طمأنينة إلى نتيجة المعارك، تُربك المتلقي، وتخيفه أحياناً، إذ يحسبها ثقة مبالغاً بها. كان أحد أبرز هؤلاء القادة يقول إن "معركتنا اليوم في الجنوب دفاعية. والمسلحون تلقّوا دعماً كبيراً من غرفة عمليات الـ"موك" (الأميركية ــ الفرنسية ــ البريطانية ــ السعودية ــ الأردنية... في عمّان)، ليشنوا هجمات كبرى على مختلف محاور القتال. وكان الهدفان الرئيسيان المرسومان للمسلحين، السيطرة على مدينة درعا وعلى الطريق الذي يصلها بدمشق". وكان القائد العسكري البارز يقول بثقة: "خطوطنا الدفاعية متينة ولن يتمكنوا من اختراقها، لا في درعا، ولا على طول الأوتوستراد". وكان يضيف رداً على أسئلة صحافيين: "في هذه المرحلة، لن نُهاجم. آخر عملياتنا الهجومية في الجنوب كانت في شباط، وحققنا حينذاك الهدف المطلوب، أي إقامة "خط مانع" يحول دون تقدّم المسلحين نحو الريف الجنوبي للعاصمة. أما اليوم، فليس المطلوب سوى الصمود، وامتصاص هجمات المسلحين. وبعد أن يفشل المسلحون، يمكننا الهجوم من جديد".

 

تمّ حلّ مشكلات لوجستية كنقص الذخائر في بعض مراحل الحرب

وتوقع القيادي العسكري حينذاك أن تستمر هجمات المسلحين لثلاثة أشهر.

بالفعل، مضت الأشهر الثلاثة التي شنّ مسلحو الجبهة الجنوبية خلالها خمس هجمات على مدينة درعا، وخاضوا عدداً من المعارك في مناطق متفرقة من الجنوب السوري، من دون أن يتمكنوا من إحراز أي تقدم يُذكر. فشلت الهجمات جميعها، وكانت نتيجتها القضاء على جزء كبير من قوة الاقتحام الرئيسية في المجموعات المعارضة. وخلال الأيام الماضية، شنّ الجيش هجمات أدّت إلى سيطرته على حي المنشية، جنوبي مدينة درعا، وأقرب أحيائها إلى الحدود الأردنية. ثم تقدّم في محيط مدينة الشيخ مسكين (شمالي درعا) القريبة من طريق دمشق ــ عمّان.

وفي القنيطرة، كان الأمر مشابهاً. حقق المسلحون خروقات خلال الأشهر الماضية، لكن جنود الجيش والقوى الرديفة له صمدوا، واستعادوا معظم ما خسروه.

حال المنطقة الجنوبية لا تشبه ما جرى في الشمال. حصل انهيار في محافظة إدلب، من دون أن يعني ذلك أن القادة العسكريين فقدوا الثقة بما يجري إعداده للأيام الآتية. كانوا يقرّون بصعوبة الأوضاع، وقلة العديد. لكنهم كانوا في الوقت عينه يؤكدون أن ما حققه المسلحون ابتداءً من آذار الماضي لن يستمر، وأن ثمة ما يجري الإعداد له، كمفاجأة ستؤدي إلى قلب الطاولة في وجه المسلحين وداعميهم. لم يكن أحد يلمّح إلى فكرة التدخل الروسي المباشر. تبيّن لاحقاً أن المفاوضات بين دمشق وموسكو وطهران كانت تجرى بسرية تامة، في موازاة قيام الجيش السوري بعمليات تجنيد واسعة لمجموعات خاصة من المقاتلين، حملت لاحقاً تسمية "الفيلق الرابع اقتحام". الفارون من الجيش، والمتخلفون عن الخدمة، ومن يرغبون في القتال حصراً في مدنهم وقراهم، والراغبون في أن يتطوعوا للقتال في صفوف الجيش في الصفوف الأمامية، جميعهم تم وضع آليات لاستيعابهم. وأضيف إلى ذلك حلّ عدد من المشكلات التي عانى منها الجيش، في أحيان متفرقة من الحرب، كانخفاض مخزون أنواع محددة من الذخائر والأسلحة. أتت الطائرات الروسية لتحمل جزءاً من العبء غير المسبوق الذي ألقي على عاتق الطيارين السوريين وطائراتهم وأطقم صيانتها، مع ما تحتاج إليه من قطع غيار وتكاليف صيانة ووقود. هذا قبل الحديث عن الفارق الكبير في مستوى التطور بين طائرات سلاح الجو السوري ومثيلاتها لدى سلاح الجو الروسي.

الغارات الروسية أمّنت سلاح جو نوعياً للجيش السوري الذي كان يعدّ، برّاً، لعمليات بأساليب جديدة. وهنا يجدر التوقف عند أمرين:

أولاً، أن الجيش السوري والقوى الرديفة له، وبعد "الصمود الاستراتيجي" في الجنوب، تمكنوا من استعادة المبادرة الهجومية، في محافظتي درعا والقنيطرة، حيث لا طائرات روسية تغطي لهم الاجواء.

الثاني، أن جبهة الشمال، الأوسع من تلك الجنوبية، وحيث ثقل جماعات تنظيم "القاعدة" وحلفائه، احتاجت إلى غطاء جوي لعملية ينفذها الجيش وحلفاؤه بصورة لم يعتدها المسلحون. فالعمليات العسكرية الهجومية تشمل اليوم أكثر من 10 محاور قتال رئيسية: اللاذقية؛ سهل الغاب؛ محور مورك ــ كفرزيتا ــ خان شيخون وكفرنبودة في ريف حماه الشمالي؛ ريف حلب الجنوبي الغربي؛ ريف حلب الشمالي؛ ريف حلب الشرقي، محور السفيرة ــ كويرس في مواجهة "داعش". وللمرة الأولى، يخوض الجيش هذا العدد الكبير من المعارك دفعة واحدة، مضافاً إليها شنّه لهجمات في ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية، إضافة إلى محاور القتال الثلاثة في درعا والقنيطرة. يجري ذلك في ظل استمرار المعركة الدفاعية التي تُفشل غزوات "داعش" على مطار دير الزور ومحيطه.

الاخبار اللبنانية

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=27173