وجهات نظر

حيرة "إسرائيل" وقلقها من التعزيزات الروسية والهبّة الفلسطينية


قدم حلمي موسى مقالاً في صحيفة السفير تحت عنوان " حيرة إسرائيل وقلقها من التعزيزات الروسية والهبّة الفلسطينية" جاء فيه:


اختلطت الأوراق في المنطقة بفعل عاملين لم تتوقعهما القيادة "الإسرائيلية"
الأول منهما هو تعزيز القوات الروسية في سورية والثاني هو انطلاق ما يبشر بانتفاضة فلسطينية وربما تطورات على الأرض وفي الحلبة الدولية تجعل الأرض الفلسطينية في دائرة ما يجري في المنطقة عموماً.


ومن المؤكد أن المخاوف "الإسرائيلية" من الوجود الروسي تزداد قوة ولم تفلح الإدعاءات بشأن تفاهمات حوله في تبديدها، كما أن ما خالته إسرائيل عجزاً لدى السلطة الفلسطينية ويأساً لدى الجمهور الفلسطيني ينقلب إلى حصان جامح يصعب السيطرة عليه.


ومن الواضح أنه بعد أيام من اتضاح صورة أن الروس لم يأتوا للمنطقة لالتقاط الصور، بل جاؤوا لتأكيد أن لهم مصالح جوهرية فيها ظهرت بكامل واقعيتها، فحقيقة أن وجودهم يشكل قيداً على حرية العمل التي كانت تتمتع بها "إسرائيل"، والأمر لا يتعلق فقط بحرية عمل سلاح الجو "الإسرائيلي" ولا حتى بحرية عمل سلاح البحرية "الإسرائيلية"، صارت الخشية تزداد من احتمال نشوء محور شر جديد تتواجد فيه هذه المرة، وخلافاً للتقديرات "الإسرائيلية"، روسيا بقوتها.


وما يزيد الطين بلة من وجهة نظر "إسرائيلية"، أن التحالف الجديد الذي ينشأ ليس فقط يتجاوز آمال التفاهم التي تمسّك بها نتنياهو قبل زيارته الأخيرة لموسكو، وربما بعدها، وإنما يساهم في بلورة نظام إقليمي جديد.


وهذا النظام في جوهره، من وجهة النظر"الإسرائيلية"، سيئ لأنه في الأصل لا يترك مجالاً لأميركا، وتبدي محافل إسرائيلية كثيرة غضبها من تراجع الدور الأميركي في المنطقة ودخول كل من روسيا وإيران على الخط في محاولة لملئه.


وربما أن بعض الجهات في "إسرائيل" تذهب إلى أبعد من الغضب على الموقف الأميركي للتحدّث عن واقع جديد في غير مصلحة "إسرائيل".


ويتعاظم هذا القلق عند الإسرائيليين وهم يرون الأوروبيين يصعّدون ليس فقط اللهجة وإنما يُقدمون على خطوات ملموسة ضد الاستيطان.


وتتحسر جهات إسرائيلية مختلفة على فقدان أميركا لقدرتها على التأثير في الموقف الأوروبي في هذا الشأن وتنطلق من ذلك نحو ما تعتبره خطراً أكبر، وهو ظهور الضعف الأميركي في المحافل الدولية.


وكثيراً ما اعتمدت "إسرائيل" على الموقف الأميركي لمنع مناقشة مشروعها النووي في الوكالة الدولية للطاقة النووية، كما أنها تعتمد بشكل جوهري على الموقف الأميركي لمنع تمرير قرارات ضدها ولمصلحة الفلسطينيين في مجلس الأمن الدولي.


وزاد الأمر تعقيداً، ما نشر مؤخراً حول رفض إدارة أوباما التعهد باستخدام حق النقض - الفيتو ضد أي مشروع قرار في مجلس الأمن يقرر إعلان دولة فلسطينية على أراضي 67
ومعروف أن هناك في دهاليز وأدراج مجلس الأمن الدولي مشروع قرار فرنسي يرمي إلى حل القضية الفلسطينية، بما يكفل إقامة دولة فلسطينية وتوفير الأمن لإسرائيل.


وترفض إسرائيل مثل هذا القرار، لأنه لا يمنحها فرصة كبيرة لضم أكبر قدر ممكن من الأراضي المحتلة العام 1967، وكذلك لأنه يتوافق جوهرياً على الأقل مع موقف السلطة الفلسطينية القائم على التمسك بالشرعية الدولية.


وهنا تبدأ الأمور في التعقيد. فأميركا أيضاً تفقد بشكل متزايد نفوذها على السلطة الفلسطينية ومهمة الإشارة هنا إلى كلام رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد قبل أيام عن عدم دفع الولايات المتحدة لحصتها المالية في إسناد السلطة الفلسطينية. كما أن أميركا تفقد قدرتها على منع الدول الأخرى، وخصوصاً الأوروبية، من التقدم بمشاريع حلول جزئية أو كلية للصراع العربي الإسرائيلي. ونظراً لأن حكومة نتنياهو قامت أصلاً على فكرة منع قيام دولة فلسطينية فإن تراجع الدور الأميركي وبلوغ الفلسطينيين نقطة الغليان، ثمة أسباب لتقدير أن الوضع ذاهب إلى انفجار.


فالسلطة الفلسطينية في رام الله والتي كان ديدنها مفاوضات تلي مفاوضات وجدت منذ زمن أن المفاوضات لم تعد مجدية، وهذا يقرّب الفلسطينيين، رغم شدة الخلافات بينهم، إلى نوع من الاتفاق الضمني حول انعدام جدوى المفاوضات، وليس مستبعداً أن يقود هذا الوضع إلى تعديل المواقف وربما إلى محاولة العودة فلسطينياً إلى دائرة الحوار.


ولكن، معروف أن الوضع العربي غير مشجع لجهة تضارب المواقف من قضايا عديدة، وهذا يعني أن الفلسطينيين قد لا يجدون قوة عربية ترعى مفاوضات مصالحة.


ولكن ليس مستبعداً كذلك أن تكون القضية الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة وحرجة، فجزء من توتر الساحة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال يعود أساساً إلى توغل قطعان المستوطنين والحكومة الإسرائيلية، وهؤلاء يرون في ضعف العرب وانشغالهم باقتتالاتهم الداخلية دافعاً لمحاولة تسجيل المزيد من النقاط على صعيد الاستيطان والتقاسم الزمني للحرم القدسي، ولكن خبراء التحليل والتقدير في "إسرائيل" عجزوا عن قراءة الشيفرة الوراثية للفلسطينيين، خصوصاً في القدس وجوارها، ولم يعرفوا أن ما يرونه من يأس في عيونهم ليس سوى حافز لمزيد من المقاومة.


نتنياهو يعقد اجتماعات أمنية وسياسية، ولكنه لا يجد سبيلاً لتهدئة الهبّة الجارية سوى المزيد من استخدام العنف.


وقد سرّب لصحيفته "إسرائيل اليوم" خبراً مفاده أن التهديد بانتفاضة ثالثة سيقود إلى السور الواقي 2 وهو يعني بذلك العودة إلى احتلال مدن الضفة الغربية.
ربما أن نتنياهو لفرط هوسه نسي أن السلطة الفلسطينية ذاتها تهدد بحل نفسها وإعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال، وفي هذه الحال يمكن القول إن خطوات نتنياهو تقرّب إعلان ذلك.

 

السفير- مركز الإعلام الإلكتروني

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=26722