وجهات نظر

بهدوء.. أمريكا تحاور دمشق والمعلم إلى مسقط

ناهض حتر


كتب ناهض حتر مقالاً في صحيفة (الأخبار) بعنوان "الخارجية الأمريكية تحاور دمشق...والمعلم إلى مسقط" جاء فيه: 

المشهد الإقليمي والدولي يبدو كالألوان السائحة المتداخلة في لوحة فانتازية، غير أن هذا هو ما يحدث في اللحظة المشتركة بين مرحلتين ونظامين إقليميين.

بعد تفاهمات القوتين الأعظم، والحوار الأميركي ــــ الإيراني والروسي ــــ السعودي، حول النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، بدأ مؤخراً، الحوار السوري ــــ الأميركي سراً،  صحيح أنه يجري على مستوى منخفض، لكنه تخطى الوسيط العراقي والاتصالات الأمنية، إلى حوار سياسي بدأ به دبلوماسيون من وزارة الخارجية الأميركية.

وهو يجري على أساس الاعتراف (الأميركي) بالأمر الواقع في سورية: لا يوجد بديل عن الحل السياسي، وتنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب من النقاط الأساسية...الخ

وبينما يواصل وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الثرثرة حول استثناء الرئيس الأسد من الحل السياسي في سورية، يقوم مرؤوسوه بإجراء نقاشات مفصلة مع نظرائهم السوريين.

قبل الأميركيون توسيع نطاق الضربات الموجهة إلى التنظيمات الإرهابية لتشمل بالإضافة إلى "داعش"، "جبهة النصرة" وحلفائها.
ويُعدّ ذلك انتصاراً سياسياً لدمشق التي طالما واجهت خطر مشروع إعادة تأهيل "النصرة" بوصفها ما يسمى "معارضة معتدلة"، وبذلك أصبح 80 % من المقاتلين ضد الجيش العربي السوري، مستهدفة من قبل التفاهم السوري ــــ الأميركي.
وهذا يضع ما يمكن وصفه بحجر الأساس للحلف الإقليمي المقترَح، روسيّاً، ضد الإرهاب، الإرهابيون المرتبطون مباشرة بالتجمع الاستخباري الغربي ــــ الخليجي، يتم التباحث حول حلول لأوضاعهم، ومن بينها إدماج عناصر من ما يسمى "الجيش الحر" بالجيش العربي السوري أو الدفاع الشعبي.

من سخرية القَدر أن واشنطن أقرب الآن إلى دمشق، منها إلى أنقرة التي لم تقطع خيوطها المتينة مع التنظيمات الإرهابية، وتستغل الحرب على الإرهاب لضرب حزب العمال الكردستاني، وسيكون الرئيس التركي رجب أردوغان، قريباً، أمام خيارين: إما أن ينضم حقاً لا قولاً إلى الحلف المضاد للإرهاب، أو أنه سيفقد الغطاء السياسي لمواجهة حزب العمال الكردستاني، ويواجه مصيره في الداخل التركي.

الإعلان الأميركي عن تأمين الحماية الجوية لـما يدعى "المعارضة المعتدلة" موجهٌ فعلياً، ضد "النصرة" و"داعش" وتركيا، لا إلى السوريين، أما صيغة الإعلان التي شملت الجيش  العربي السوري بالمستهدَفين، فهي تقع بين الابتزاز والاستهلاك السياسي.

ينطبق هذا التقدير على الموافقة الأميركية الغامضة على منطقة آمنة في شمال سورية، هل حصلت أصلاً، وهل لها أي معنى ميداني فعلي، سوى تحويلها إلى مخيم لتسوية أوضاع المقاتلين الذين لا ينضوون في تنظيمي "داعش" و"النصرة" وحليفاتها؟ على كل حال، فإن أي خطوة في هذا الاتجاه، لن تحدث إلا بالتفاهم مع سورية.

في الأثناء، تلقّى وزير الخارجية وليد المعلم، دعوة رسمية من نظيره العُماني، يوسف بن علوي، لزيارة مسقط، وإجراء مباحثات ثنائية، تمهد للقاء المعلم بنظيره السعودي، عادل الجبير، وقد يحصل لقاء ثلاثي، خلال الزيارة نفسها.

المبادرة العمانية تأتي في إطار التسارع الحاصل في مسار الحل الذي اتضحت عناوينه العامة في لقاء التفاهم الروسي ـــــ الأميركي ــــ السعودي، في الدوحة، أول من أمس، ولا تتعارض مع، بل تستكمل المبادرة الإيرانية المعدّلة التي يبحثها الثلاثي الإيراني ــــ الروسي ــــ السوري، في طهران، وربما يكون إطلاقها بداية النهاية للحرب على سورية.

للمرحلة المقبلة، عناوين عريضة: مكافحة الإرهاب التكفيري وتصفيته، وتحجيم الإخوان المسلمين، والأمن الجماعي، وتخفيض الصراعات الجيوسياسية والمذهبية، والتوصل إلى تسويات للملفات الساخنة، والتعاون الدولي والإقليمي لإعادة البناء، بالخلاصة، أدى الفشل في عزل إيران وإسقاط سورية وحزب الله والحوثيين والحراك البحريني، إلى القبول بتوازنات لنظام إقليمي جديد، يعترف بنفوذ روسيا ومصالحها في المنطقة، وبإيران كقوة إقليمية رئيسية، وبالجيش العربي السوري وحزب الله، باعتبارهما الشريك الأساسي في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وتأمين الأمن الإقليمي.

في اليمن، يمكن للسعودية والإمارات، بعد الاختراق العسكري في عدن، إعلان "النصر"، والانخراط في مفاوضات لحل سياسي متوازن، سيكون، في الواقع، خلاصة تسوية تنعقد بين الرياض وبين أنصار الله، المعتَرَف بهم كقوة أساسية وسيادية في الجمهورية اليمنية.
وفي وقت ما من مسيرة تسوية الملفين السوري واليمني، سيجد رئيس وزراء البحرين، خليفة بن سلمان، الذي يمثّل عقبة رئيسية أمام المصالحة الوطنية، نفسه، مضطراً للاستقالة، وفتح الباب أمام قيام صيغة سياسية قريبة من النموذج الكويتي.

ولي ولي العهد، وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، لم يتأخر عن زيارة الحليف الأردني، ليبلغه بأن اللعبة قد انتهت! سيتم تجميد نشاطات غرفة "الموك" الاستخبارية العاملة في جنوب سورية، وترتيب الانفصال الميداني والسياسي بين التنظيمات التابعة لها، والمقاتلين التابعين لـ "جبهة النصرة" التي رُفع الغطاء عنها.

عمّان التي لم تتخذ أي موقف واضح حتى الآن من تسوية الملف النووي الإيراني، وما تلاه من تفاعلات وتطورات، قد تكون حصلت على الضوء الأخضر للتحرك في سياق التسويات.
لدى الحكومة الأردنية ما تقدمه إلى دمشق، في مجالات أمنية ولوجستية وتجارية، وهي تأمل، بالمقابل، المصالحة والتوصل إلى حل لمشكلة اللاجئين السوريين في الأردن.
وهي مشكلة يعاني منها لبنان أيضاً، بيد أنه من الملاحظ أن القوى اللبنانية، باستثناء حزب الله، تقبع خارج المعادلات والمباحثات.

في خضم هذه التطورات، كان لافتاً أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وجد الوقت والاهتمام الكافيين لاستقبال رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، ليبعث برسالتين، أولاهما، للقوى الدولية والإقليمية، مفادها أن موسكو ملتزمة القضية الفلسطينية التي وُضِعَتْ على الرف منذ بداية "الربيع العربي"، وثانيتهما موجهة إلى حماس، بضرورة إعادة النظر بكل مواقفها من التطورات في المنطقة، خصوصاً في مصر.

مركز الإعلام الالكتروني

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=24411