تحقيقات وتقارير

مسار التقارب السوري التركي..أقوال أكثر بنتائج أقل


الإعلام تايم || كنان اليوسف 

 

يبدو أن المفاوصات بين أنقرة ودمشق وفق الصيغة الرباعية في موسكو تسير بخطى هادئة إن لم نقل متباطئة ومستوى الاتصالات التي ارتقت للقاء وزراء الخارجية لم يعطِ مؤشراً واضحًا عن إيجابية ما تم طرحه في اللقاء الذي جرى في العاشر من مايو /أيار الحالي، فدمشق وعلى على لسان وزير الخارجية فيصل المقداد أكدت أن المناقشات شهدت الدخول في أدق التفاصيل، واستطاعت سورية خلالها شطب كلمة "التطبيع" من قاموس النقاش، وأكدت أنه لا يمكن أن يتم بين بلدين يحتل أحدهما عسكرياً أراضي البلد الآخر، بهذا التوصيف تكون دمشق قد زادت من تحديد الخطوط التي رسمتها أصلاً قبيل انطلاق هذه الاتصالات المباشرة وصولاً إلى بدايتها على مستوى وزراء الدفاع ولاحقاً نواب وزراء الخارجية، فيما تطمح أنقرة إلى لقاء يجمع الرئيسين السوري والتركي دون تقديم أية اوراق وتكسب هي الأخرى الكثير منها قبيل الجولة الثانية من الانتخابات التي بلغت المنافسة فيها حد الذروة بين اردوغان وأوغلو وهذا ما لا تريد الدولة السورية منحه بالمجان للجانب التركي أياً كان اردوغان أو من ينافسه في هذه الانتخابات.

أمام هذا الواقع من اللااتفاق واللا قطيعة يمضي هذا المسار قدمًا دون خرق يذكر سوى الحديث عن خارطة طريق يتم العمل عليها ، وهو مسار يدرك الجانبان أنه حاجة سورية وتركية مشتركة ففي الوقت الذي تتجه فيه سورية لأن تكون جزءً فاعلاً من حالة الاستقرار الإقليمي ، تأخذ بعين الاعتبار جيدًا مسألة السيادة على أراضيها وهو ما تؤكد عليه كافة المخرجات التي بنيت عليها اجتماعات آستنا بجولاتها ال١٩ ، والجانب التركي نفسه صادقَ على هذه المخرجات.

أيضاً تبدو هذه المشاورات هي حاجة تركية لجملة من الأسباب أولها الانتخابات التي بات الملف السوري فيها عاملاً مهما في حسم المعركة الانتخابية بين كلا المرشحين المنافسين، وكلاهما قدم وعوداً وبرامج عمل فيما يتعلق بملف اللاجئين ومسألة تواجد القوات التركية في سورية، ويطرحها أمام الناخب التركي، وعليه فإن استمرار الاتصالات بات حاجة مشتركة لاعتبار آخر وهو الحدود المشتركة التي يتجاوز طولها ال٩٠٠ كم ، كمسألة تستدعي المرحلة الحالية، التوصل إلى تفاهم وخطوات عمل جدية وبناءة حولها، فسورية تراها مهمة لمنع تدفق الإرهابين من جهة وفتح المعابر مع تركيا وتكون تحت سلطة الدولة السورية -وهذا هو الحال الطبيعي- وبذلك تكون قد نجحت في كسر شيئ من قيود العزلة الاقتصادية، بعد أن قطعت شوطاً كبيرًا في كسر العزلة السياسية، وإن كان هذا الانجاز المتعلق بمسألة الحدود لن يحصل في المدى المنظور إلا أنه جزء من ما يُعمل عليه سورياً، وفي ذلك أيضًا مصلحة تركية، فيما يتعلق بالخطر المتمثل بقسد، فوجود الجيش السوري على هذه الحدود ، كفيل بتبديد المخاوف التركية وهذا ما طرحه الجانب الروسي في أكثر من مناسبة خلال السنوات الماضية بالتزامن مع كل تلويح تركي بشن عدوان على الأراضي السورية والتوغل فيها بذريعة محاربة "إرهاب قسد" إذ تصر موسكو ومعها دمشق وطهران بأن الحل هو في إفساح المجال أمام الجيش السوري في التواجد على هذه الحدود، لكن وكما يبدو أن عدم صدق النوايا التركية يدفعها إلى عدم القبول، وكذلك قسد المؤتمرة بأوامر أمريكية تصر على توفير الذريعة للمحتل التركي بشن الاعتداءات واحتلال مزيد من الأراضي، وهذا ما كان دائماً مبعث قلق بالنسبة للدولة السورية فيما يتعلق بتكامل الأدوار أمريكيا وتركيا في إبقاء المنطقة الشمالية من سورية في حالة اللا استقرار التي تحول دون تواجد سلطة الدولة السورية على أراضيها، والشاهد على ذلك التوغل التركي اللاشرعي، في جرابلس والباب بريف حلب في ٢٠١٦ وبعدها في عفرين عام ٢٠١٨ ، تلاها الوصول الى المنطقة الممتدة من تل أبيض بريف الرقة وصولا إلى رأس العين بريف الحسكة عام ٢٠١٩.

مسألة أخرى تستدعي الحفاظ على هذه الصيغة من الاتصالات السورية التركية وهي ملف اللاجئين ، اللذين أصبح تواجدهم عامل ضغط داخلي في تركيا ، وبعدها ورقة للاستثمار السياسي والإنساني لأكثر من عقد من الزمن، ولا يزال باب الاستثمار بهؤلاء قائمًا في المرحلة الراهنة من المنافسة الإنتخابية، فسورية التي تريد وترحب بعودة كافة اللاجئين خارج حدودها وليس من هم في تركيا فحسب، تبحث عن عودة آمنة لهؤلاء من خلال تأمين الظروف الملائمة لعودتهم، وقامت بما يلزم لذلك من خلال مراسيم العفو ، وتكفلت بعودتهم إلى مناطقهم التي خرجوا منها، لكن ما يعرقل تدفق هؤلاء على العودة هو عدم توفر البنية التحتية ، وإعمار ما ُدمر وهذا يتطلب تضافر جهود دول ومنظمات وهذا ما لم يتوفر حتى الآن.

أخيراً يمكن القول أن دمشق التي نجحت في كسر عزلتها عربياً.. ترى في الاجتماعات الرباعية كمسار للتقارب مع انقرة صيغة معقولة للحوار مع تمسكها بمطلب انسحاب القوات التركية لدفع هذا المسار خطوة إلى الأمام.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=93769