تحقيقات وتقارير

الانتخابات التركية.. وجه تركيا لخمس سنوات قادمة


الإعلام تايم || كنان اليوسف

 

فتحت صناديق الاقتراع أمام الناخب التركي للانتخابات الرئاسية  ومعها فُتحت أبواب التكهنات حول الأوفر حظاً للفوز فيها، ما بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وزعيم المعارضة كليجدار أوغلو في الوقت الذي سادت فيه أجواء من المنافسة الشرسة بين الطرفين، قبيل أشهر من موعدها ، كما أن أقلاماً عربية وغربية  انبرت في الكتابة والتحليل والاستقراء حول هذه الانتخابات، والخوض في تفاصيلها والتركيز على الأجندة والأفكار التي يحملها كل من المرشحين الاثنين الأوفر حظاً أوغلو وأردوغان. 



وجه تركيا الذي اصطبغ لعقدين من الزمن بطابع اسلاموي  والانخراط في مشاريع توسعية على حساب دول الجوار في سورية والعراق، يبحث الناخب التركي اليوم عن تغيير لهذه الصبغة التي بدأت بواكيرها استعداداً لهذه الانتخابات من قبل الرئيس الحالي بعدما أدرك انعكاسات هذه الصبغة وهذا النهج على الداخل التركي وعلى طبيعة تركيا الأوروآسيوية وطبيعة المجتمع في هذا البلد، إذ أن ما دأبت عليه سياسة أنقرة على الأقل خلال العقد المنصرم ، كانت كفيلة في إدخال تركيا بما يشبه الصراع المجتمعي الداخلي بين من يؤيد هذه السياسات وبين من يرفضها إلى أن طفت على السطح وبرزت بصورة أكبر بين الأحزاب السياسية، ما فتح الباب واسعا أمام المعارضة للانخراط في حالة الاستقطاب الداخلي عبر التركيز على النتائج التي وصلت إليها تركيا جراء سياسة حزب العدالة والتنمية اقتصادية كانت أم اجتماعية أم سياسية لجهة علاقة تركيا مع الغرب من جهة ومع دول الإقليم من جهة أخرى، ففي الوقت الذي كان يراهن فيه أردوغان على إمكانية اللعب على كافة التناقضات في هذه العلاقات وجد نفسه أخيراً أمام أزمات عدة في هذه العلاقات، فمن جهة لم يستطع الإبقاء على تحالفه مع الولايات المتحدة بالشكل الذي يخدم توجهاته وسياسة حزبه ومن جهة أخرى أدخل بلده في حالة عداء مع دول الجوار وأغرق تركيا باللاجئين وجلب الويلات على الاقتصاد، وهي ملفات استثمرت بها المعارضة التي نادت بتحسين العلاقات مع دول الجوار وانتقدت سياسة أردوغان في سورية وفي العراق وليبيا وأطلقت وعوداً انتخابية كبرى في هذا المجال، لجهة تغيير هذا النهج، وتقديم مقاربات جديدة لعديد من الملفات الإقليمية التي تتشابك فيها مصالح الغرب والشرق في استقطاب برزت حدته أكثر بعد العملية الروسية في أوكرانيا.



من هنا يمكن القول أن نتائج هذه الانتخابات ستكون حاسمة في تحديد السياسة التركية لخمس سنوات قادمة، فإما أن تنتهي بفوزأاردوغان واستمرار سياسته مع إدخال بعض التغييرات على هذه السياسة في محاولة لإرضاء الداخل من جمهور المعارضة الخاسر، وإما أن تفوز هذه المعارضة والتي تقول إنها ستنتقل بتركيا إلى حقبة جديدة من الشراكة في إطفاء الحرائق التي اشعلها حزب العدالة والتنمية ، وتقديم مقاربات جديدة للعلاقة مع روسيا  وللعلاقة مع الغرب وحلف الناتو. 



وبين هذا وذاك من المرشحين للانتخابات تبدو جلية حالة التجاذب الدولية حيالها ففي الوقت الذي تذهب فيه بعض التحليلات والآراء للقول بأن الغرب يفضل فوز كليجدار أوغلو على منافسه اردوغان، تقول أخرى برغبة روسية بفوز اردوغان، فالغرب ممثلاً بالولايات المتحدة والذي خبر أردوغان لعقد من الزمن وتحالف معه في سورية من خلال دعم وتسليح الجماعات الإرهابية على الأرض السورية وكذلك في ليبيا ، اصطدم معه في شمال شرق سورية وتحديداً حول المشروع المتعلق بإقامة كيان كردي يهدف إلى تقسيم سورية، كما لم يعجب الغرب العلاقة التي سار بها مع روسيا وانخراطه في مسارات للحل السوري رعتها موسكو مثل مسار استنا وإن كان لم يقدم فيها الكثير ولم يلتزم مع روسيا بتعهداته حيال هذه المسارات، كذلك صفقة الاس 400 بين تركيا وروسيا من العوامل التي عمقت هذا الشك بين اردوغان والغرب ،وصولا إلى الحرب الروسية الأوكرانية والتعويل الغربي على انخراط تركي فيها لصالح أوكرانيا، اصطدم بمقاربة تركية لهذه الحرب خالفت التوقعات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالتعاون الروسي التركي في مشاريع الغاز و تدشين وافتتاح خط أنابيب السيل التركي لنقل الغاز الروسي لتركيا وأوروبا بما يسمح لروسيا بتجاوز أوكرانيا عن طريق فتح خط نقل مباشر ثاني إلى تركيا، ومنها يصل الغاز الروسي إلى جنوب وجنوب شرقي أوروبا عبر خطوط جديدة. 



أمام هذا الواقع تبدو الانتخابات التركية وما ستحمله من نتائج ذات منعكسات إقليمية ودولية وعلى مختلف ملفات الإقليم الشائكة في ظل توجه دول المنطقة إلى إرساء حالة من الاستقرار فيما بينها ،وهذا ما بدى جليا من خلال المصالحة السعودية الإيرانية ،فإما أن تكون تركيا بعد الانتخابات جزء من هذا المزاج الإقليمي أو أن تكون خارجه وهذا ما سيحدده الرئيس الفائز لخمس سنوات قادمة.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=93495