وجهات نظر

"قيصر" بنسختهِ العربيّة!

ناظم عيد


"الجميعُ في الشرقِ الأوسط يريدُ أن يكون مواطناً أمريكياً، ولكنّ الجميعَ أيضاً غاضبٌ من السياسة الخارجيّة للولايات المتّحدة".

فما هذا التناقضُ المريبُ في مزاج هذا الحيّز الرحب في شرق الكرة الأرضيّة ؟! أم إنّه «لوثةُ» أصابتْ أغلبيةَ شعوبِ هذا العالم أجمع مع وجود استثناءاتٍ قليلةٍ، ربما نحنُ لا نعرفُها.

ولو أنّنا اضطررنا إلى توصيفِ مثل هذه الحال بكلمةٍ واحدةٍ، فلن نجدَ كلمةً أنسبَ وأكثر ملاءمةً من كلمة «النفاق»، وليس أيّ نفاقٍ، إنّه نفاق الذاتِ الذي يعدّ من أخطر أشكال النفاق على الإطلاق.

لكنْ، لا شأنَ لنا، ولا يهمّنا هذا الأمر لو كان متعلقاً بشعوبٍ تعيشُ في قطبٍ بعيدٍ أو على خطوط عرضٍ في نصف الكرة الأرضيّة الآخر، ما يعنينا محصورٌ هنا، محصورٌ في المضمار العربي الذي أُتخمتْ عقولنا، نحنُ السوريين، بمصطلحات كدنا نخالها مقدسةً لا يجوز المساس بها أو الاقتراب منها، ونحن نحلّق معها في الفضاء العربي متجاوزين كلياً ما يخصّ بلدنا الذي أذبناه في بوتقةِ العروبة.

ربما كنّا مأخوذين برجع الصدى الوجداني من الشارع العربي، الشارع فحسبْ، لنصدمَ اليومَ بأن جميعَ «الأشقاء» ينشدُون الانتساب إلى النادي الأميركي، ويهرولون نحوه، في الوقت الذي نجدهم فيه يشتمون سياساتِ الولايات المتّحدة..لكنّْهم، كمن يشتمَ الشيطانَ، في حين إنه يغرق في أفعالٍ شيطانيّة متقصّداً، وعن سابقِ إصرارٍ.

لم تشفعْ لنا «أطنانُ» هذا الوجدان العربي! وها نحنُ نرتعش، ونرتجف برداً، وبلدنا يدخل في دوامة شللٍ حقيقيٍّ ومؤلم، سببه، وهو أكثر إيلاماً، هو شحِّ موردٍ، يعدّ هو ذاته عنوانُ «التخمة العربية» ألا وهو النفط ومشتقاته!!

رشقنَا الأميركيُّ بـ «قيصرٍ» أمّا أشقاؤنا فوافونا بما هو أخطرُ..حجبَ عنا الأمريكيُّ السلاحَ ..فحجبوا هم الغذاءَ والدواءَ، وكادوا أن يحجبوا حتى الهواء!!

لكنّهم لم ينسونا من بعض خطابات تعاطفٍ خجولة، بل إنهم أحياناً يكونون «أكثرَ جرأةً» فيسمحون برفع العلم السوري في ندوةٍ أو اجتماعٍ شبه مغلق.

يطلّون علينا خلسةً، وكأنّهم سجناء يلوّحون لذويهم من وراء القضبان.

نحنُ أمام رضّ عنيفٍ، سيشكّل انعطافةً كئيبةً في المشهد القادم، وهي انعطافةٌ من الطراز الذي نكرهُ، ونبغضُ.. لكنّ ذاكرةَ الألم والدم والوجع ليست مرنةً، ولا تستجيبُ ببساطة لخاصيّة النسيان.

رغم كل ذلك الوجع، لن تتغير ثوابتُنا الوطنيّة في سوريّة.. ونحنُ على يقين من ذلك..لكنّ أحداً لا يضمنُ ألا يتغيّر مزاجُنا الشعبيُّ الجمعيُّ، ونكررُ «الجمعيّ»، لكن بالتأكيد، لن يكون هذا التغيير جنوحاً نحو الشغف بالمواطَنة الأميركية، بل، سيكون انكفاءً، ولن نقول: حسبنا أن ننجوَ من اللوم.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=90500