وجهات نظر

للمتباكين على مفتي"الجهاد إلى سورية".. "لكم دينكم ولنا دين"

طارق ابراهيم


خاص || الإعلام تايم 

 

يكفي حضور اسمه لإثارة مشاكل تبدأ باتهامه بالتساهل في أحكام الدين والشريعة وتنتهي باعتباره أحد كبار المنظرين للإرهاب، فهو مفتي الناتو "ومنظر ما يسمى"الربيع العربي" والأب الروحي لجماعة "الإخوان المسلمين" وغيرها من التنظيمات الإرهابية المسلحة على اختلاف الأراضي العربية التي انتشرت فيها، إنه يوسف القرضاوي الذي انتهت حقبة وجوده الجسدي على الأرض بعد 96عاماً، كانت السنوات الأخيرة منها كفيلة بتدمير دول عربية وتمزيق شعوبها، في خطوة واضحة وصريحة لتوظيف الدين في خدمة أغراض سياسية متعددة.

 

نحن كسوريين(إلا ما ندر) ليس من عاداتنا أن نتشمت بالموت وموت يوسف القرضاوي لم يقسمنا إلى تياريين أحدهما يستذكر أهوال فتاواه ودورها في إعادة هيكلة التنظيمات المتطرفة وضلوعها فيما آلت إليه أحوال الشعوب العربية، وتيار آخر يترحم على شخصيته، فلايزال دوي صوته وهو ينادي لـ"الجهاد في الشام" في مسامع السوريين، وخاصة عندما أطلق لفظة "ومالو" عندما سئل عما يجري في سورية وإمكانية وقوع ضحايا كُثر فقال "وإذا قتل ثلثي الشعب وانتصرت الثورة .. ومالو".


لن ينسى السوريون يوم وظّف القرضاوي الإمكانيات الهائلة لآلة الإعلام العربية والأجنبية التي باتت فتاواه محركاً لمضامينها الشيطانية، فمن منصبه كرئيس لما يسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" نادى "كل قادر على الجهاد والقتال للتوجه إلى سورية إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً"، فكانت فتاواه بمثابة أرضية لفتاوى أخرى من أئمة ورجال دين شرّعوا "الجهاد في سورية"، وسمحوا بالذبح والاغتصاب والسرقة، تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان، وأصبحت الأراضي السورية قبلة كل الطامعين بـ"جهاد النكاح" والمتعطشين لسفك الدماء والمتلذذين بأكل الأكباد ووأد وإحراق الناس وهم أحياء، ففي كل منطقة ترى الآلاف من "الجهاديين" العرب والأجانب يطالبون بحقوق الشعب السوري وهم من هجروه وسبوا نسائه وجندوا أطفاله، بمنهج "حلال" أيدته فتاوى القرضاوي.


ولم يكن الشعب السوري الذي يعاني اليوم ويلات تلك الفتاوى وحده في نطاق "الثورية السياسية" لتلك الفتاوى، فقد أفتى القرضاوي بقتل عدد من قادة الدول العربية والعلماء الذي وقفوا سداً في وجه سيل الدم الذي أجرته فتاوى القرضاوي، لتصبح فتاواه أكبر هدية لتنظيمات متشددة تمكنت من استقطاب الآلاف من المقاتلين، فضلا عن أنها صبّت في خدمة إستراتيجيات أجنبية لتفتيت المنطقة وإحياء النعرات الدينية والمذهبية فيها، خاصة وأنه نبذ القاعدة الفقهية "درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة" لتكون كلماته باعثاً لمنتسبي التنظيمات المتطرفة في تشويه صورة الإسلام، وتعزيز مخاوف المجتمعات الغربية منه، وتأكيد ما تتفوه به التقارير الغربية من تعطش المسلمين للدماء.


ولم يكن العقد الماضي إلا امتداداً لـ"القرضاوية السياسية" التي بدأ ببث سمومها تحت غطاء إسلامي في أوروبا يوم أسس القرضاوي المركز الأوروبي للإفتاء والبحوث، في دبلن بأيرلندا، عام 1997 وحدد من خلاله الملامح العامة لنظرته الفقهية الخاصة بالجماعات المسلمة في الغرب، فأصدر يومها عدداً من الفتاوى الشائكة والتي دخل من خلالها إلى عالم الاستقطاب والشهرة وكسب الجمهرة الواسعة، أثارت الكثير من الجدل والصخب، حيث طالب البنات بخلع الحجاب في المدارس الأوروبية إذا اقتضت الضرورة، وجواز امتلاك السكن بقرض ربوي، وجواز مشاركة العسكريين المسلمين في الجيوش الأجنبية.


ذلك الفقه المسمى بـ"فقه الأقليات" للقرضاويّ تعرض للرفض والهجوم من جانب عدد من كبار العلماء المسلمين، ومنهم العالم الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي الذي أكد أن ذلك الفقه يؤدي لطمس ملامح الهوية الإسلامية الأصيلة لدى المسلمين في الغرب، ليرد القرضاوي بعد سنوات عندما سنحت له الفرصة بإصدار فتوى بقتله بحجة الوقوف مع بلده ضد جيوش القرضاوي الجرارة.


وهكذا صور القرضاوي لمجاهديه في الشام أن قتل العالم الجليل هو جهاد في سبيل الله، فـ"وراء كل أحمق يُفتي، مجنون يُنفذ"، وتنصل القرضاوي بعد استشهاد البوطي من فتواه، لتقول حينها تقارير إعلامية  إن القرضاوى، اعتاد على فعل الشىء ونقيضه، ففي 2006 زار سورية، وأشاد برئيسها وبمواقفه المعارضة لأميركا، كما أشاد بحزب الله اللبناني المنتصر بحرب تموز عام 2006 قائلاً: "إن شوكة إسرائيل وقوتها التي لاتقهر كُسرت أمام حزب الله ومن أيده"، ثم "فكر وقدر، ثم نظر، ثم عبس وبسر"، وقرر أن كلماته تلك كانت كذباً ونفاقاً، وإلا فهو  يهاجم أنظمة عربية ولا يشير للترسانة الأمريكية التى تبعد خطوات عن منزله بقطر، ويهاجم ما أسماهم "علماء السلطان"، وهو الأداة التي تتحرك وفق شهية أمير قطر.


إرث القرضاوي الفكري المثقل بالتحريض على العنف والقتل وسفك الدماء سيبقى طاغياً إن لم يواجه بأفكار تنويرية ومراكز إرشاد تنقّي الإسلام من تلك الظواهر الغريبة والشاذة والدخيلة، فيقول أحد المغردين عبر منصة "تويتر" "من يقرأ سيرة أئمة الإسلام يجد أنهم كانوا يفرحون بهلاك أئمة الباطل (..) الحمد لله الذي أراح المسلمين من داعية الفتنة والضلال والدمار". وقال حساب آخر إن القرضاوي "لم يكن أزهرياً ولا طائفيا ولا مذهبياً، كان شيخا فتنوياً" ليضيف آخر أنه "اشتهر بالعديد من المواقف التي شكلت مسيرته، أبرزها: الإفتاء بشرعية هجوم الناتو على ليبيا، وإجازة تفخيخ الجسد وتفجير التجمعات المدنية، وتشجيع مقاطعة الحج، وتأسيس اتحاد إسلامي مناوىء لرابطة العالم الإسلامي"، وأفتى  بقتل الرئيس الليبي معمر القذافي وكان له ما أراد، وفي أحداث مصر عقب الثورة على الإخواني محمد مرسي قال اقتلوا كل من في طريقكم من عسكريين ومدنيين وعلماء وجاهلين".


الاستخبارات الغربية وهي التي ساعدت القرضاوي في نشر مؤلفاته لتحقيق بغيتها في تدمير الشعوب العربية، فطنت لما ستشكله تلك المؤلفات والفتاوى من تخريب في المجتمعات الأوروبية فقررت حظر تطبيق القرضاوي" يورو فتوى"، لأنه يقدم محتوى دينيّاً وفتاوى تحض على التطرف، وكشفت منذ بداية العقد الماضي أن منطق الجهاد والقتال والتكفير الذي يحكم خطاب القرضاوي ويوجّهه إلى صناعة جيل أشبه ما يكون بالقنبلة الموقوتة أو العبوّة النّاسفة التي يمكن أن تنفجر في وجه المسلمين أنفسهم، كما يمكن أن تنفجر في وجه العالم في أي لحظة ومن أيّ مكان.


وفي الختام لابد من القول إن هذه القصيدة التي كتبها شاعر عراقي جاءت على مقاس القرضاوي والذي مثَل دوره ببراعة:


مَولانا الطّاعِنُ فى الجِبْتِ
عادَ لِيُفتي..
هتك نساء الأرضِ حَلال إلاّ الأَربعَ
ممّا يأتي..
أُمّي، أُختي، امرأتي، بنتي!
كُلُّ الإرهاب (مُقاومَةٌ)
إلاّ إن قادَ إلى مَوتي!
نَسْفُ بيوت النّاس (جِهادٌ)
إن لَمْ يُنسَفْ مَعَها بيتي!
التقوى عِندي تَتلوّى
ما بينَ البَلوى والبَلوى
حَسَبَ البَخْتِ..
أَبصُقُ يومَ الجمعة فَتوى
فإذا مَسَّتْ نَعْلَ الأَقوى
أَلحسها فى يوم السَّبت!
أعمال الإجرام حَرامٌ
وَحَلالٌ فى نَفْسِ الوَقْتِ!
هِيَ كُفرٌ إن نَزَلَتْ فَوقي
وَهُدىً إن مَرّتْ مِن تَحتي!

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=88662