وجهات نظر

الإعلام المقاوم.. السلاح الأمضى لمواجهة التزوير الإسرائيلي

د. منذر علي أحمد


تتجاوز أشكال حرب الكيان الصهيوني وأطماعة كافة التصورات وتتخطى كل الحدود للسيطرة على العقل والأرض، فالعدو الذي يحاول دائماً السيطرة على الفكر والعقل والثقافة لا بد أن يبث أفكاره ويدحض الأفكار التي تفضحه، ويحاول تحوير الحقائق ومحو القضايا أو تبديلها، ومن غير الإعلام بقادر على ذلك؟ لكن ممارسات الكيان لم تلقَ رداً بالنار فقط فهناك من يتصدى لأفكار العدو عبر إظهار حقيقته وفضح نواياه وهنا يبرز دور الإعلام المقاوم كسلاح مضاد في الصراع الأزلي مع العدو الصهيوني.

 

شهدت السنوات السابقة هجمات وحملات ممنهجة وغير مسبوقة من الإعلام المتصهين والإعلام المطبع ضد الرؤى والأفكار والقضايا التي تبناها الإعلام المقاوم سنوات عديدة وما زال يدافع عنها بكل قواه.

 

أوهمت تلك الهجمات البعض أن الإعلام المقاوم قد هُزم وانكمش وتراجع مشروعه الداعم للقضية الفلسطينية متمثلاً بتحرير الأرض والشعب الفلسطيني والقضاء على الصهيونية، حتى أن البعض وصفوا هذا الانكماش بالأمر المقلق، وخاصةً مع بروز أصواتٍ تدعو إلى التعايش والسلام مع الاحتلال الإسرائيلي، ودعوات ترفض تنظيم المظاهرات التي تنادي برفض التطبيع مع المحتلين.

 

وعلى ذلك فالقضية العادلة والأهم في حياة العرب (قضية القدس) هي بحاجة اليوم إلى من يحملها ويدافع عنها بالكلمة والموقف، وبحاجة إلى تكثيف الحملات الدعائية المضادة للدعاية الصهيونية عبر الإعلام المقاوم، الذي يؤدي دوراً مكملاً في المعركة النضالية ضد الاحتلال، وللوقوف في وجه حملات التطبيع وشخصياته ووسائله لا بد من تطوير وتبني منهجية إعلامية متطورة للتعاطي مع القضية الفلسطينية، بغية التصدي للإعلام الصهيوني والإعلام المأجور وللدعاية الصهيونية التي تنشر ثقافة المساومة والتطبيع مع الكيان.

 

يعد الإعلام المقاوم في هذا الصدد الحامل لثقافة المقاومة ورفض التطبيع، وتقف تلك الثقافة حائلاً دون كسر الحاجز النفسي الذي تم اختراقه منذ كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وأُريد منه إضعاف المناعة النفسية ليتم قبول الكيان الصهيوني نفسياً تمهيداً لقبوله واقعياً مروراً بمحطات الاعتراف به، ثم الإعجاب، والتعاطف معه، وتبني روايته، وصولاً إلى تأييد مواقفه، وجعله مثالاً يحتذى ومحجاً يقصد، وهي الثقافة نفسها التي تحفظ هوية الصراع بكل أبعاده.

 

أما عن المطلوب اليوم فهو تكثيف الحملات الداعية للتركيز على القضية الوجودية في القدس، لأن الإعلام المضاد استطاع أن يحرف بوصلة النضال خلال السنوات الماضية العجاف ليصرف الأنظار عن إجرامه بحق فلسطين كقضية مركزية للأمة ويوجهها إلى غيرها من القضايا الثانوية، كما استطاع خلق أعداء وهميين من داخل البيت العربي وإشغال الدول -وخاصة التي تتبنى منهجية النضال- بحروب داخلية تقسيمية، تضعف من خلالها ثقافة المقاومة ضد العدو المركزي.

 

الإعلام الإسرائيلي والغربي والأمريكي وحتى العربي يتبنى نشر الرواية الإسرائيلية الصهيونية وتغيير مصطلحات الوجود الفلسطيني المركزي إلى مصطلحات تترسخ عبر كثافة التلقي في عقول الجيل الجديد الذي سيكون له الباع الأهم في تبني قضية فلسطين من عدمه، كما أخذ هذا الإعلام على عاتقه شيطنة المقاومة ونضالها ضد الوجود الصهيوني.

 

إن على الإعلام المقاوم إبراز الجانب الإنساني في كفاح الشعب الفلسطيني واستثمار ثورة الإعلام والمعلومات والاتصالات والثورة التي أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعي، والعمل بشكل مستمر وممنهج على سرد القصص الواقعية والحقيقية عن النضال والمناضلين الفلسطينين أصحاب الأرض والحق ووالوقوف في وجه حملات التضليل والتزييف الإسرائيلي والأقلام المأجورة في وسائل الإعلام الغربية والعربية المتصهينة، والتصدي للحرب النفسية التي ينثر بذورها الإعلام المتصهين عبر العمل على ترسيخ فكرة وجود التماسك والقوة في جبهة "إسرائيل"، يقابله الضعف والتشتت في الجبهة الفلسطينية.

 

ولأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى ببعدها العربي والإسلامي وهي أصل الصراع الوجودي مع كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي تخطى بشموليته كل الجوانب التقليدية وتعداها إلى جانب فكري يلعب فيه الإعلام دوراً رئيساً في تثبيت الحقائق وتبديد الأكاذيب المخترعة؛ كان لا بد من العمل والسعي الدؤوب لإعداد "العدة" الكاملة للمعركة وعلى الصعد كافة، فهذه القضية مصيرية وتحتاج إلى إمكانات وتجهيزات استثنائية سياسية وعسكرية واقتصادية، وتأتي أيضاً مسألة امتلاك إمكانات كبيرة على الصعيد الإعلامي.

 

رغم أن هناك تطوراً مستمراً في الناحية الإعلامية، لكنّ هناك أيضاً تطوراً مستمراً في آلية عمل العدو الإسرائيلي، الذي يعمل بشكل مستمر وسريع على تثبيت مفاهيم ونظريات اخترعها بشأن ما يتعلق بمسألة القدس وأحقيته التاريخية والدينية والجغرافية فيها، ما يجعل الأمر حتمياً بالنسبة لاستعدادنا للمواجهة، وخاصة في بناء وإعداد جيل يقود المعركة المصيرية وأمام عينيه ثقافة النصر لأحقية قضيتنا، فنحن أصحاب الأرض، وأصحاب الحق الذي وإن طال الزمن لا بد أن يعود.

 

وبالنظر إلى أهمية قضية القدس ومحوريتها التي لها ما لها من الثقل السياسي والديني والوجودي للأمة العربية والإسلامية، فمن الضروري أن تحتل حيزاً كبيراً ومهماً يتناسب مع ما تمتلكه من أهمية قصوى من جميع النواحي للشعوب العربية عامة والإسلامية خاصة، ولذلك فإن التعامل مع القضية الفلسطينية وقضية القدس بإمكانات وآليات عمل تقليدية لن يؤتي ثماره في هذه المرحلة، خاصة مع تطوير العدو إمكاناته ومعداته ووسائله وأساليبه منذ سنوات طويلة، وتطويره آليات عمله بما يتماشى مع الحالة الإعلامية المتطورة على المستوى العالمي.

 

ومن هنا، فإن لم نكن قادرين على موازاة ومجاراة الحالة التي يطور بها العدو نفسه وآليات عمله ووسائل وصوله وتأثيرها في المتلقي، فلن نكون قادرين على المواجهة والصمود في وجه هذه الهجمة المستمرة منذ سنوات طويلة.

 

وعليه فعلينا ألا نتعامل مع القضية الفلسطينية كقضية تقليدية شأنها شأن الأخبار اليومية التي نتعامل ونتعاطى معها بشكل روتيني، بل أن نعطيها حقها وقيمتها العالية والمهمة التي تستحقها عند أي حديث أو تناول لأخبارها ومستقبلها، فالمدينة المقدسة يجب أن تعامل بقداسه.

 

وعلينا أن نعي خطورة هذه المرحلة التي برزت فيها التحديات الخطيرة على قضية الوجود الفلسطيني عبر استخدام مصطلحات تبناها الإعلام المتصهين الناطق بالعربية وأصبحت العديد من وسائل الإعلام العربية والرسمية منها وللأسف تتبنى تلك المصطلحات وتروج لها، وهنا يبرز دور الإعلام المقاوم في تفنيد تلك المصطلحات، وأن يستبدل بها أخرى تخدم القضية العربية الفلسطينية، وتؤكد الحقيقة الماثلة للعيان بأنه لا تعايش مع المغتصب والمجرم والقاتل.

 

وهنا لا بد أن نشير إلى أن "أدبيات" الصحافة الصهيونية تسعى نحو هدف أساسي بأن تكون أكثر وسائل الإعلام الصهيونية ناطقة باللغة العربية، لإيصال الرسائل للمتلقي العربي والتأثير فيه، دون الاقتصار على المتلقي الفلسطيني، فأكثر من ثلث الصحف التي أنشأها الكيان الصهيوني منذ نشأته المزعومة كانت تنطق باللغة العربية، وكانت تهدف إلى بث الخوف والذعر في عقل المتلقي العربي، والترويج لمصطلحات عربية تجسد العجز والهزيمة، وكان المتلقي العربي يقع ضحيتها ولا يستطيع أن يتعامل معها، ومن هنا برزت أهمية اللجوء إلى الإعلام المقاوم، الذي يؤكد للمتلقي العربي والغربي وحتى الإسرائيلي أن العرب هم أصحاب الدار وأصحاب الأرض عبر الوثائق التاريخية وكشف تزييف الحقائق التاريخية التي يعتمدها الإعلام المتصهين.

 

نحن بحاجة ماسة اليوم إلى ضرورة اتباع خطة استراتيجية تواكب المستجدات المرحلية والمستقبلية دون إغفال الحقائق التاريخية، وبحاجة إلى منهج جديد -بجانب دحض الخداع والتزوير الإسرائيلي- يتبنى رؤية حقيقية وواقعية لما يجري على الأراضي العربية المحتلة بغية توعية المواطن العربي ومنع تضليله واستغلاله، ونشر ثقافة مقاومة تؤكد على مركزية الصراع وتوضيحه وتبني الرواية الفلسطينية ودحض افتراءات الرواية الإسرائيلية وأقلامها العربية المأجورة، والتركيز على الجوانب الإنسانية ونقل الحقائق كما هي، ونقل معاناة الإنسان العربي في الأراضي المحتلة، حيث يواجه شتى أنواع الاستغلال النفسي والجسدي والتعذيب والاستهداف المستمر والممنهج من قبل شعب وقادة الكيان المزعوم الذي يعمد على تصوير نفسه بمظهر الضحية والمظلوم المدافع عن حقه، ويعمد على تصوير ذلك الإنسان الفلسطيني البريئ على أنه هو الإرهابي والمعتدي.

 

لا شك بأنه عندما نملك الإرادة القوية للوقوف في وجه هذا التزييف التاريخي سنصل في نهاية كفاحنا إلى النصر المبين، وسنتمكن بيقيننا وعملنا وتكاتفنا من طرد المحتل من الأراضي العربية المحتلة كافةً.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=88429