نافذة على الصحافة

نار تحت الرماد


كتبت صحيفة رأي اليوم في افتتاحيتها تحت عنوان " لماذا الهدوء الذي عاد إلى العراق "مؤقتاً" والنار ما زالت تحت الرماد؟ وما هي الدروس المستفادة من بين ثنايا الصدامات الدموية؟ وأين يكمن المخرج والعودة إلى الأمن والاستقرار؟ ومن هو المسؤول الحقيقي عن الفتنة؟":


لم يعرف العراق الاستقرار منذ الغزو الأمريكي عام 2003، لأن الدولة الغازية التي وعدت الشعب العراقي بدولة ديمقراطية حديثة تشكل مثالًا يحتذى ومصدر حسد في منطقة الشرق الأوسط "الجديد" بذرت بذور الطائفية، والتفتيت، والعنف، وتدمير الهوية العراقية الجامعة، لأنها -أي أمريكا- وتلبيةً لمخطط إسرائيلي، لا تريد عراقاً قوياً عربياً إسلامياً موحداً يستعيد دوره القيادي في المنطقة.

الأحداث الدموية التي عاشها العراق طوال الأيام القليلة الماضية، وأدت إلى مقتل أكثر من ثلاثين شخصاً، تجسد أحد فصول هذه السياسات الأمريكية، وثمارها المريرة، التي حولت العراق إلى دولة فاشلة، بلا بنى تحتية، وبجيش مترهل ضعيف مخلوع الأنياب والمخالب، منقسم طائفياً وعقائدياً وفصائلياً، وقوات أمن مخترقة وغير مؤهلة للحفاظ على أمن البلاد.

المنطقة الخضراء التي اقتحمها المتظاهرون، وتتواجد فيها أضخم سفارة أمريكية في العالم "منطقة سوداء"، ووكراً للمؤامرات على العراق والمنطقة بأسرها، منطقة يتخفى خلف أسوارها كل الفاسدين الناهبين للثروات العراقية، ويحتمون بأسوارها وحراساتها المشددة، وباتت دولة فاسدة داخل الدولة، مهلهلة وممزقة، ورخاء وسط شعب يعاني من الفقر والجوع وانعدام أبسط الخدمات رغم تصدير حكومته ما يقرب من خمسة ملايين برميل يومياً، لا يقل سعر البرميل عن مئة دولار.

جميع الحكومات العراقية، منذ الاحتلال الأمريكي، جاءت وليداً مشوهاً لعملية سياسية وضع أسسها ودستورها المحتل الأمريكي، فشلت في إدارة شؤون العراق، وإعادة بنائه على أسس حديثة، ومحاربة الفساد لأنها دولة فاسدة وتضم مسؤولين معظمهم من الفاسدين.

في ظل الانقسام لا توجد حكومة عراقية برأس قوي، ورئيس الدولة منتهية ولايته والجيش منقسم.

العرب الذين من المفترض أن ينتمي العراق بكل طوائفه تقريباً إلى قوميتهم مغيبون كلياً، ولا أثر أو نفوذ لهم، وتعاطوا مع أزمته الحالية وكأنهم ينتمون إلى أمريكا اللاتينية، اكتفوا بالبيانات الإنشائية والدعوة إلى ضبط النفس، ومن المؤلم أن معظم هؤلاء الذين يتباكون على أمن العراق ووحدته واستمراره كانوا وما زالوا شركاء لأمريكا في تدميره، ودفعه نحو التقسيم والتفتيت.

لن يخرج العراق من أزماته إلا بإسقاط الطائفية، وعودة الهوية الوطنية الجامعة الموحدة، وإغلاق الأبواب أمام جميع التدخلات الخارجية، وتصفية جميع القواعد العسكرية الخارجية دون استثناء.

نحن في هذه الصحيفة "رأي اليوم" نقف في خندق العراق، كل العراق، ولا ننحاز إلى أي طرف، ونرفض كل أشكال الطائفية والعرقية التي أوصلته إلى هذه الحالة من الضعف والانهيار، من منطلق إيماننا بمكانته وإرثه الحضاري الخالد واعترافنا بدعمه لكل القضايا العربية الإسلامية العادلة بالدماء والأرواح، ومحاربة الاستعمار العربي وأعوانه، والحفاظ على الأمة، وسيادتها، وثرواتها، وتوظيف الأخيرة في تحقيق رخاء شعوبها، وحمى الله العراق العظيم وشعبه.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=87946