نافذة على الصحافة

الانعطافة التركية في نظر دمشق


اتخذت دمشق دور المتفرج الصامت الذي تُلقى على آذانه التصريحات التركية تباعاً، لكنها كسرت هذا الصمت معلنة أنها لا تمانع عودة العلاقات مع تركيا على أساس متين وواضح يضْمن لها استعادة سيطرتها على كامل أراضيها، ويمهّد لبدء حوار سوري - سوري حقيقي.

 

ورأى علاء الحلبي في مقال نشرته صحيفة الأخبار أنه وعلى رغم الاندفاعة الدبلوماسية والإعلامية التي تُظهرها تركيا نحو سورية، إلّا أن مسار التطبيع والذي تتولّى إدارتَه حالياً الجهات الاستخبارية في كلا البلدَين، يبدو أنه سيستغرق وقتاً، ما لم تُبادر أنقرة إلى خطوات دراماتيكية، تستطيع من خلالها تسريع هذا المسار، الذي يبدو الاستثمار فيه أولوية بالنسبة لإردوغان.

 

وقال الحلبي: وفي ما يمكن اعتباره أوّل تصريح سوري رسمي بهذا الخصوص بعد فترة صمت طويلة يبدو أنها كانت متعمَّدة، نفى المقداد في ردّه على الصحافيين وجود شروط لتطبيع العلاقات، مستدركاً بأن ثمّة قضايا جوهرية تجب معالجتها "على أساس احترام سيادة الدول"، مضيفاً أن أوّل الاستحقاقات الماثلة أمام البلدَين "إنهاء الاحتلال، ووقف دعم الإرهاب، وعدم التدخُّل في الشؤون الداخلية، وحلّ مشكلات المياه". وإذ جدّد التأكيد أن دمشق لا تثق "بِمَن يرعى الإرهاب ويدعمه"، فقد اعتبر أنه "عندما نتوصّل إلى مِثل هذا الحل، سيكون ذلك في مصلحة سورية وتركيا، وسيشكّل مقدّمة لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل بدء الحرب".

 

وتابع الكاتب :يرسم كلام المقداد معالم واضحة لِما تتطلّع إليه سورية سواء لناحية إنهاء الوجود العسكري التركي على أراضيها، أو لجهة وقْف دعم أنقرة للمجموعات المعارِضة، والذي ترى دمشق أنه يفرّغ مشروع "الحلّ السوري" من محتواه. والظاهر أن سورية تلْقى دعماً في رؤيتها تلك من حليفَيها الروسي والإيراني، ولا سيما في ظلّ رفض الأخيرَين المتواصل لأيّ هجوم عسكري تركي جديد على مناطق سوريّة، وهو ما عبّر عنه صراحة لافروف في المؤتمر نفسه، مُذكّراً بوجود اتفاقات بين دمشق وأنقرة (اتفاقية أضنة الأمنية المُوقَّعة عام 1998) يمكن من خلالها إزالة المخاوف الأمنية التركية وفق طرق دبلوماسية.

 

 وأضاف الكاتب: يمكن تلخيص الوضع القائم حالياً بأنه بداية لانعطافة تركية نحو سورية، تستعجل أنقرة تحقيق مكاسب من خلالها، سواء في صورة إيجاد حلّ لمعضلة اللاجئين، أو عبر حصْد مكاسب ميدانية وسياسية يمكن لإردوغان صرفْها في السباق الانتخابي الرئاسي في تركيا، والذي سيشتدّ مع اقتراب موعده في حزيران من العام المقبل. في المقابل، تريد دمشق خريطة طريق واضحة، تضْمن استعادة سيطرتها على جميع أنحاء البلاد، وتَحوُّل تركيا من طرف في الصراع إلى عنصر مساعِد في الحلّ. وكلا المطلبَين يمثّلان جزءاً من مسار طويل يحتاج إلى توافقات على نقاط عديدة متداخلة ومتشابكة، في ظلّ الوضع المعقّد في الشمال السوري، حيث تُسيطر أنقرة من خلال الفصائل التابعة لها على ريفَي حلب والرقة، في وقت تتفرّد فيه "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة)، والتي باتت تابعة لتركيا أيضاً، بالسيطرة على إدلب التي تشكّل أكبر معاقل الجماعات "الجهادية".

 

وختم الكاتب: أمام المعادلة الميدانية والسياسية وحتى الاقتصادية (بالنظر إلى الضغوط المتزايدة على أنقرة، ورغبتها في أداء دور أكبر في مشاريع تتعلّق بالطاقة في المنطقة، والظروف التي يجب تَوافرها لضمان عودة اللاجئين السوريين)، يبدو أن الجهود الروسية والإيرانية استطاعت حتى الآن فتح كوة يتم من خلالها إجراء مباحثات أمنية متواصلة بين سورية وتركيا، تستهدف إيجاد حلول للقضايا الميدانية بشكل متسلسل، وتمهيد الأرضيّة للانتقال إلى العمل السياسي. ويعني ذلك أن مسار التطبيع سيستغرق وقتاً طويلاً، ما لم تُبادر أنقرة الراغبة في تسريع وتيرته، إلى ترجمة اندفاعها الدبلوماسي بخطوات عملياتية مماثلة على الأرض.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=87779