وجهات نظر

على شفا حرب

خميس بن حبيب التوبي


كتب خميس بن حبيب التوبي في صحيفة الوطن العمانية تحت عنوان "أميركا على شفا حرب مع روسيا والصين":

 

في الوقت الذي تستميتُ فيه الولايات المتَّحدة للمحافظة على بقائها وهيمنتها على العالم، واستمرار النظام العالمي بقطبيَّته الأحادية بنَشْرِ الحروب وتفجير الصراعات واتِّباع سياسة التحريض والتحريش واللَّعب على التناقضات والخلافات، تأتي التحذيرات المُتوالية من أحَدِ أبرزِ مهندسي السياسة الخارجية الأميركية ألَا وهو هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق للإدارة الديمقراطية الحالية من الاستمرار في هذه السياسة، ووجوب التوقف عن أخْذِ العالم إلى حافَّة الهاوية وإلى طريق لا عودة فيه، وقضايا خلافية لَنْ تتمكَّنَ معها واشنطن من إيجاد الحلول لإنهائها رغم مسؤوليتها في ظهورها.


وفي مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" قال كيسنجر الذي شغل منصب وزير الخارجية من عام 1973 إلى عام 1977، والذي يصِفُه الكثير بأنَّه ثعلب السياسة الأميركية، مُحذِّرًا من اختلال التوازن الدولي بشكْلٍ خطير: "نحن على حافَّة الحرب مع روسيا والصين بشأن قضايا نحن مسؤولون جزئيًّا عن ظهورها، دُونَ أنْ يكون لدَيْنا أيُّ فِكرة عن كيفية إنهائها، أو ما الذي ستؤدِّي إليه". وأشار إلى أنَّ “كُلَّ ما يُمكن فعله ليس تصعيد التوتر ثمَّ إيجاد خيارات، وإنَّما منذ البداية يَجِبُ أنْ يكُونَ هناك هدف من وراء هذا التصعيد”.


لا يُمكن أنْ يكُونَ مُصادفةً ظهور هنري كيسنجر بصورة متوالية عَبْرَ وسائل الإعلام المختلفة مُقدِّمًا النصائح والتوجيهات لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلَّا إذا كان هناك فعلًا ما يشغل في الداخل الأميركي، وخصوصًا الطبقة النافذة التي تقود الدولة العميقة في الولايات المتَّحدة، حيث إرهاصات التراجع عن زعامة العالم وزوال القطبية الأحادية وانتقال العالم إلى قطبية متعدِّدة تعنُّ أمام ناظرَيْ المتنفذين وواضعي السياسات داخل الولايات المتَّحدة.


وحين تتوالى التحذيرات من قِبل أبرز مهندسي الحروب والصراعات واتفاقيات الاستسلام (باسم السلام) في العالم والإقليم، مِثل كيسنجر، وإعطاء إشارات للإدارة الأميركية الحالية لتغيير الاتِّجاهات ووضع خطوط عودة، وعدَم مواصلة الضَّغط على الزِّناد باتِّجاه روسيا الاتحادية والصين الشعبية، فإنَّ هذا الرجل السياسي المُحنَّك يدرك مآلات ذلك، وإمكان حدوث المواجهة التي يتحاشى كُلُّ طرفٍ من هؤلاء الأطراف الثلاثة الوصول إليها؛ نظرًا للعواقب الوخيمة التي ستنهال عليهم وعلى العالم أجمع. فموازين القوَّة اليوم لَمْ تَعُدْ حكرًا وحصرًا على الغرب بقيادة الولايات المتَّحدة، والتبدُّل من حال إلى حال من سُننِ الحياة، والتاريخُ حافلٌ بالكثير من الشواهد على زوال حضارات وقوى وقيام أخرى. وكما هو مُشاهَدٌ وواضحٌ للعيان، روسيا اليوم ليست كروسيا أمس، وروسيا بوتين ليست كروسيا يلتسين، والصين اليوم ليست كالصين أمس؛ ذلك أنَّ ما تشهده هاتان القوَّتان الكبريان من تقدُّم تِقني وعسكري وصناعي يؤهِّلهما لأنْ تتقاسما مع الولايات المتَّحدة الزعامة على العالم.


واللافت أنَّ الولايات المتَّحدة وهي تتابع اللحظات العصيبة لتراجع هيمنتها وأُفُولَ شمس القطبية الواحدة، تحاول أنْ تجعل مِمَّن تَصِفهم بحلفائها وأصدقائها كِباش فداء والتضحية بهم، والمُؤسف حقًّا أنَّ هؤلاء مَنْ يوصفون بالحلفاء والأصدقاء لا يزالون منخرطين ـإجبارًا واختيارًاـ في مواجهة خصوم حليفهم الأميركي دُونَ الاكتراث بالخسائر والعواقب الوخيمة حاضرًا ومستقبلًا، وباتوا كمَنْ يُطْلق النار على قدمَيْه. والمُؤسف أكثر أنَّهم يرَوْنَ رأيَّ العَيْنِ نتائج انخراطهم غير المحسوب وتبعيَّتهم الذليلة عَبْرَ التضخُّم والغلاء، وتعثُّر الصناعات وخروج المظاهرات وغير ذلك. لذلك يُنبِّه هنري كيسنجر مرارًا وتكرارًا من انتهاء السياسة ـالتي هنْدَسَهاـ وتلاشي مفاعيلها فيما يتعلَّق بالصين وروسيا والتي جعلت من الولايات المتَّحدة القطب الأوحد، فهل سنشهد مراجعة للسياسة الأميركية بناءً على تحذيرات كيسنجر أم إصراراً على إشغال العالم بالحروب والصراعات والفِتن لتأجيل لحظة السقوط؟

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=87475