تحقيقات وتقارير

14 عاماً على الرحيل.. محمود درويش شاعر فلسطين الخالد


خاص || تمام اسماعيل 

 

قبل 14 عاماً في مثل هذا اليوم، وضع الشاعر محمود درويش قلمه جانباً واتكأ على أحضان الموت، بعد عمر خلَّد في سنواته اسم فلسطين، فكانت أشعاره مرآة القضية، حملت عدالتها إلى الدنيا، وفضحت كل زيف الغاصبين، وأوقدت شعلة الإيمان في شعب أبى أن يسلم للمحتل أرض فلسطين.

 

ففي التاسع من آب عام 2008، غيّب الموت شاعر القضية الفلسطينية، بعد عمر ناهز 67 عاماً، معاصراً في بدايته النكبة الفلسطينية، وحاملاً فيه راية وطنه الجريح، صادحاً في حبه أشعاراً حفرت عميقاً في قلوب الثائرين، فكانت كلماته رسالة انتماء خلَّدت هم فلسطين، وأمست شعلة باقية لم يخمدها الرحيل.

 

درويش المولود في 13 آذار عام 1941، في قرية البروة التابعة لمنطقة الجليل قرب ساحل عكا، أرغمت أسرته على الخروج من أرضها في العام 1948 إلى لبنان، لتعود في العام 1949 و تجد الدمار أمامها والغرباء في أرضها، و ليعيش درويش منذ نعومة أظفاره معاناة اللجوء والتعامل مع الاحتلال مغتصب الأرض.

 

الشاعر الثائر حمل في قلبه هم القضية قولاً وفعلاً، فاعتقل عدة مرات من قبل سلطات الكيان الإسرائيلي منذ العام 1961 حتى عام 1972 بسبب تصريحاته ونشاطه السياسي، لتبدأ رحلة الاغتراب بمرحلة نضالية جديدة في مسيرته.

 

الأديب الفلسطيني برز كواحد من أهم الشعراء في العالم، وساهم بتطوير الشعر العربي الحديث مستخدماً الدلالات الشعرية والرمزية الصورية ضمن نصوصه، فله أكثر من ثلاثين ديوان شعر ونثر وثمانية كتب، ترجمت العديد من أعماله إلى الفرنسية، كما شغل منصب رئيس اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وأسس مجلة الكرمل.

 

حصدت أعماله الشعرية العديد من الجوائز العربية والعالمية أبرزها جائزة البحر المتوسط 1980، ودرع الثورة الفلسطينية 1981، ولوحة أوروبا للشعر 1981، وجائزة الآداب من وزارة الثقافة الفرنسية 1997 وغيرها الكثير.

 

سطّر درويش حب فلسطين في عشرات القصائد التي أبدعها، وانسابت مشاعره في تفاصيل قصائده لتروي حكاية الشعب والوطن والثورة والمنفى، فكانت قصيدة على هذه الأرض، وعاشق من فلسطين، وشجرة الزيتون الثانية، وعائد إلى يافا، وحالة حصار، وعابرون في كلام عابر، وسقط القناع، أحد تجليات شغف الشاعر بوطنه وتوصيف واقع شعبه.

 

قصيدة الإبداع الوجداني "على هذه الأرض"، أبرزت الحب والأمل والتعلق بالهوية والانتماء لفلسطين بقوله:"على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ.. على هذه الأرض سيدةُ الأرض.. أم البدايات أم النهايات، كانت تسمى فلسطين.. صارتْ تسمى فلسطين.. سيدتي: استحق، لأنّك سيدتي، استحق الحياة.

 

ولم تخلو قصائد درويش من روح التحدي وإبراز قوة الروح الفلسطينية التي لاتهزم كما في رائعة "سجل أنا عربي" التي ما تزال كلماتها تشعل قلوب ملايين العرب حين قال: "سجل أنا عربي.. أنا اسم بلا لقب.. صبور في بلاد كل ما فيها.. يعيش بفورة الغضب.. جذوري.. قبل ميلاد الزمان رست.. وقبلَ تفتح الحقب.. وقبل السرو والزيتون.. وقبلَ ترعرعِ العشبِ.. سجِّل.. برأس الصفحةِ الأولى.. أنا لا أكره الناس.. ولا أسطو على أحد.. ولكني.. إذا ما جعت.. آكل لحم مغتصبي.. حذار.. حذار.. من جوعي.. ومن غضبي."

 

ومن هنا تربع الشاعر الكبير محمود درويش، على عرش الرسالة الوطنية الصادقة، لتشكل مسيرته نقطة تحول أدبي حملت في طياتها أعظم قضية في التاريخ الحديث، وتشكّل أشعاره مصدر إلهام دائم سيبقى نابضاً رغم وفاته، بعد 67 عاماً من العطاء الصادق، مخلفاً وراءه بصمة إبداعية نقلت الشعر من ضفة إلى أخرى، وحالة وطنية عززت الثقة بأنّ فلسطين ستعود مهما طال الزمن.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=87336