نافذة على الصحافة

سياق تصالحي!


من الواضح أن محور اجتماع رؤساء إيران وروسيا وتركيا المقبل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسورية، بعد التهديدات التركية بعدوان في الشمال بحجة محاربة الإرهاب، وهو ما دفع كلاً من روسيا وإيران -وكما رأى أحمد الدرزي في مقال في موقع الميادين- إلى الوقوف بحزم مع سورية، ورفض العملية، ثم الذهاب نحو محاولة احتواء جديدة لأردوغان.

 

وقال الكاتب:"تنطلق هذه المحاولة الجديدة من واقع التهديدات والفرص، فتركيا هي دولة مهمة في حلف الناتو بالإضافة إلى موقعها الجيوسياسي المهم جداً، وسيطرتها على الممرات البحرية بين البحر الأسود والبحر المتوسط، بينما تتحدّد الفرص لكل من روسيا وإيران في طبيعة التهديدات التي تتعرض لها تركيا الآن؛ فداخلياً، هناك انقسام سياسي حاد بين مجموعة قوى الأحزاب الستة من جهة، وإردوغان الذي يقود ما تبقّى من حزب العدالة والتنمية، من جهة أخرى، ويترافق ذلك مع تراجع اقتصادي كبير لم تشهده تركيا منذ عقود، أمّا على الصعيد الخارجي، فأصبح من الواضح أن هامش المناورة للرئيس إردوغان تقلَّص، وخصوصاً أن رهانات الحرب في أوكرانيا لم تكن في موقعها وفق معطياته، بعد أن تَوضّحت طبيعة الحلف الآسيوي غير المعلن، لكل من روسيا والصين والهند وإيران، وصلابته في مواجهة الولايات المتحدة. والتهديد الثاني ذو طابع جيوسياسي أيضاً، فتركيا أصبحت عند حدود روسيا من الشمال، بعد استحواذ روسيا على البحر الأسود عملياً. ومن الشرق هناك إيران التي تشاركها في التهديدات والفرص. ومن الجنوب هناك إيران في العراق، وروسيا وإيران في سورية، عدا عن اليونان؛ العدو التاريخي عند الحدود الغربية."

 

الكاتب أضاف:"من هنا كانت فكرة الاحتواء عبر العمل على المصالحة بين سورية وتركيا من أجل إعادة ترتيب منطقة غربي آسيا، ولَم تكن زيارة وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان لأنقرة ودمشق، إلّا ضمن هذا السياق التصالحي، وسيجري اجتماع طهران في ظل بيئة عمل استراتيجية عالية المستوى بين روسيا وإيران، لم نشهدها من قبل، وهذا ما سيؤكده الاجتماع الثنائي بين المرشد خامنئي والرئيس بوتين، بعد أن ثبَّت الطرفان على الأرض وشائج التعاون العالي المستوى، في مواجهة الولايات المتحدة، وخاضا معاً الحرب في سورية على الإرهاب العابر للحدود. وسبقت هذا الاجتماعَ المنتظر، رسالةٌ قوية جداً وُجِّهت إلى الطرف التركي، بعد استهداف مقرّ حصين للجيش التركي والمجموعات المسلحة في جبل الزاوية، ومقتل مجموعة من الخبراء الأتراك في التصنيع العسكري، وثلاثة أضعافهم من عناصر المجموعات، التي تعمل في هذه المنشأة."

 

وتساءل الكاتب: هل يمكن لسورية وتركيا أن تتجاوزا حرباً استمرت قرابة أحد عشر عاماً ونيف، وفيها استطاعت تركيا أن تساهم على نحو كبير وواسع في تدمير سورية اقتصادياً وسكانياً وبنيةً تحتية، بالإضافة إلى احتلالها جزءاً من الأراضي السورية؟

 

ويتابع الكاتب:"هناك مجموعة من العوائق التي تمنع الطرفين من الذهاب نحو المصالحة، ولكل طرف أسبابه وشروطه. فتركيا لا تريد أن تخسر ما كسبته خلال هذه الحرب، بعد احتلالها أجزاء من إدلب وعفرين وتل أبيض ورأس العين، بالإضافة إلى مكتسباتها بعد أن وصلت قواتها إلى ليبيا والعراق والقوقاز. والعودة عن احتلالها مناطق في سورية ستدفعها إلى الانسحاب من سائر المناطق المذكورة. والأمر الثاني هو أن هذه المصالحة ستساهم في إثارة التساؤلات عن جدوى المغامرات العسكرية، وخصوصاً أن الأثمان الاقتصادية والسياسية ما زالت تضغط على المجتمع التركي. والشيء الوحيد، الذي يمكن للرئيس إردوغان قبوله، هو المصالحة، مع الإبقاء على الواقع الحالي كما هو عليه... وفي المقابل، فإن الموقف السوري لا يستطيع أن يتجاوز مجموعة من المُحدِّدات للعلاقة بتركيا، أولها فقدان الثقة بالرئيس إردوغان، بعد أن فُتحت له أبواب سورية على مصاريعها، فكان رد الجميل منه استباحتها والشراكة في تدميرها. وبالتالي، فإنها ستشترط الانسحاب الكامل للقوات التركية من كل المناطق المحتلة، وتفكيك الجماعات الإرهابية المسلحة في إدلب، والعودة إلى اتفاق أضنة الأمني عام 1999، على جانبي الحدود بين البلدين." 

 

الكاتب أضاف:"لن يكون هذا التصلب في الموقف السوري ناجماً عن الفراغ، فهو يستند إلى طبيعة الاصطفاف إلى جانب كل من روسيا وإيران، على مدى العقود الماضية حتى الآن. وسيستند، من جهة أُخرى، إلى التخلّي الأميركي عن "قسد"، الأمر الذي يجعلهم الطرف الأضعف في المعادلة السورية، وليس لهم من خيار إلّا التعاون مع دمشق، وفقاً لشروط تضمحلّ يوماً بعد يوم."

 

وختم الكاتب مقاله بالقول:"من هذا المنطلق فإن التعويل على نجاح المصالحة السورية التركية، في اللقاء الثلاثي المزمع انعقاده في طهران، بتاريخ 19 تموز الحالي، ليس في مكانه، فظروفه الثنائية للبلدين لم تتوافر بعدُ، وقد يكون علينا الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية عام 2023، وما يمكن أن توفره من ظروف وشروط جديدة لعلاقة طبيعية بين جارين محكومين. بالتاريخ والجغرافية ."

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=86761