نافذة على الصحافة

ضيق وفرج


 
 
سيطرت على الإعلام مسحة من التفاؤل بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق، بعد أربعة أيام أمضاها في أنقرة، وتساءل أحمد الدرزي في مقال نشره موقع الميادين إن كان ذلك مؤشر على أن وقت الخروج من "الكارثة السورية" قد حان.
 
وقال الكاتب: هناك جملة من العوامل المتداخلة التي تحمل توجهات متناقضة، وهي عوامل لا تتعلق فقط بالبلدين الجارين "سورية وتركيا"، بل بالأبعاد الإقليمية لكامل منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، وتؤثر فيها الآن بالدرجة الأولى حالة الصراع الدولي الذي تفجر بالعنوان الأوكراني، وعلى الرغم من مضي أكثر من أحد عشر عاماً على الحرب في سورية، وعدم ظهور أي علامات واضحة على قرب الخروج من هذه الحرب، فإن هناك جملة من الأسباب التي تدفع إلى التفكير في قرب حدوث انفراج ينعكس على السوريين، تقابلها مؤشرات معاكسة، وقد تكون أقوى، وهذا ما يجعل من الوساطة الإيرانية بين تركيا وسورية صعبة المنال.
 
وأضاف الكاتب: على الرغم من اتخاذ الولايات المتحدة قرار التخفيف من أعباء المنطقة للتفرغ لمواجهة الصين وروسيا، فإن ما حل باقتصادها واقتصادات الاتحاد الأوروبي إثر عجز العقوبات الأميركية الأوروبية عن إسقاط روسيا اقتصادياً من الداخل، جعلها تعيد النظر في المنطقة التي عادت في سلم الأولويات إلى العقل السياسي الأميركي نظراً إلى ارتداد هذه العقوبات على مجتمعات الدول الغربية، فعادت المنطقة من هذا المنطلق ساحة أساسية للمواجهة، وخاصةً بعد أن ظهر إلى العلن التحالف الروسي – الصيني – الإيراني - الهندي، ثم اجتماع زعماء دول البريكس الخمس، وطرح فكرة توسع المجموعة إلى دول جديدة، مثل الأرجنتين ومصر وإيران، وحصل التنازل الأميركي مع تركيا، بسبب الاحتياج الكبير لها، في المواجهة المحتدة على الأرض الأوكرانية، ما دفع بالرئيس الأميركي جو بايدن إلى الاتصال بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ثم الاجتماع به في مؤتمر الناتو الأخير في برشلونة، مقابل الموافقة التركية على دخول السويد وفنلندا إلى هذا الحلف، ولم يكن هذا هو الثمن الوحيد الذي حصل عليه الرئيس التركي، والجائزة الكبرى سيحصل عليها في الشمال السوري، الذي قد يتعرّض لعملية اجتياح جديدة، إذا ما توافرت كامل الظروف الدولية والإقليمية، وترافق ذلك مع جملة من السياسات الأميركية المتسارعة تجاه إعادة ترتيب المنطقة بشكل كامل، وإغلاقها بوجه الصين وروسيا، وقد تكون هذه هي المؤشرات الأهم على طبيعة التعقيدات التي تمر بها سورية، والتي ستدفع بالمزيد من الضغوط على السوريين، من جرّاء ما يمكن أن تفرزه من تبعات عليهم، وقد بدأت تطل برأسها من الجنوب السوري، حيث ارتفع مستوى التهديد الأمني، وإعادة تفعيل غرفة "الموك" تدريجياً، كرسائل على طبيعة التهديدات المقبلة، وترافق ذلك مع التهديدات التركية المتكررة بقرب اجتياح تل رفعت ومنبج وعين العرب.
 
وتابع الكاتب: مقابل كل ذلك، فإن هناك جملة من العوامل على الطرف المقابل بما يحمي سورية من تبعات العودة الأميركية، وأولها ارتفاع مستوى التنسيق الروسي الإيراني إلى درجة غير مسبوقة من قبل، وهو لا يتوقف على الملف السوري، بل يتجاوزه إلى كل ملفات الصراع المشتركة بين البلدين مع الولايات المتحدة، وفي كل الساحات المشتركة بينهما، ولم يتوقف الأمر عليهما، بل وصل إلى إبراز توجه اقتصادي لكتلة آسيا، بعد الإعلان عن البدء بشحن بضائع من بحر البلطيق في أقصى الشمال الروسي إلى الهند عبر إيران، كبديل من قناة السويس المصرية، التي تبقى تحت التهديدات الأميركية، وهذا التنسيق العالي المستوى يرتد على سورية بشكل إيجابي، ولكنه غير حاسم في الزمن العاجل، لارتباط كل الأطراف في ما بينهم، وانتظار نتائج الحرب الأوكرانية، التي ستحدد مصير النظام الدولي الحالي، وما يرتبط به من نظام مالي مهيمن على اقتصادات كل دول العالم.
 
وختم الكاتب: كل هذه المؤثرات تجعل من دمشق في موقع التريث تجاه التجاوب مع أي خطوات مصالحة مع أنقرة، وهي التي اختبرت من قبل سياسات حزب العدالة والتنمية، وتنتظر المزيد من انقشاع ضباب المرحلة المقبلة، وقد تكون الخطوة الأهم قبل كل ذلك، هي نزع ذرائع الاجتياح التركي، والدخول إلى منبج وتل رفعت أولاً بشكل واضح وصريح بقبول ميليشيا "قسد" الخروج منها، والقبول أيضاً بدخول الجيش العربي السوري بشكل كامل إلى المناطق الحدودية كافة مع تركيا، ويمكن لإيران وروسيا أن تقوما بدور فاعل للوصول إلى هذه المرحلة، ريثما تنتهي الحرب الأوكرانية الطويلة، وانتظار تحول الموقف التركي إثر الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة 2023، أو امتلاك وسائل ضاغطة تدفع بالساسة الأتراك نحو اكتشاف إيجابيات التعاون بين دول المنطقة وشعوبها، البديلة من التدمير الذي لا يمكنه أن يكون محصوراً بحدود معينة.
 
Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://www.emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=86494